(ق ا م//ق و م) في علم الدلالة والجذور - بقلم - د- محمد فتحي راشد الحريري طباعة
مقالات - صفحة الدكتور/ محمد فتحي راشد الحريري
نشرها صبرنيوز - SBR NEWS   
الجمعة, 03 يونيو 2016 11:27
يطالعنا في الجذر الثلاثي ( ق و م) مجموعة من المفردات:

القائم

القوَّام

القوم والقومية

الاستقامة................ الخ.

والعرب يقولون في تفسير قوله تعالى: ( ثم استقاموا): ثم استقاموا أي لم يشركوا به شيئاً، وقال قتادة: استقاموا على طاعة الله؛ قال كعب بن زهير:

 فَهُمْ صَرفُوكم، حينَ جُزْتُمْ عنِ الهُدَى،*** بأَسْيافِهِمْ حَتَّى اسْتَقَمْتُمْ على القِيَمْ

قال: القِيَمُ الاسْتِقامةُ.قلت: أي الثبات على الحق كما سنرى لاحقاَ.

قاله الأَسود بن مالك رحمه الله.

وفي الحديث: قل آمَنتُ بالله ثم اسْتَقِمْ؛ فسر على وجهين: قيل هو الاسْتقامة على الطاعة، وقيل هو ترك الشِّرك. أَبو زيد: أَقمْتُ الشيء وقَوَّمْته فَقامَ بمعنى اسْتقام، قال: والاسْتِقامة اعتدال

الشيء واسْتِواؤه وثباته.

ويقولون أيضاَ اسْتَقامَ فلان بفلان أي مدَحه وأَثنى عليه.

وقامَ مِيزانُ النهار إذا انْتَصفَ، وقام قائمٌ الظَّهِيرة؛ قال الراجز:

 وقامَ مِيزانُ النَّهارِ فاعْتَدَلْ .. والقَوامُ: العَدْل؛ قال تعالى: ((وكان بين ذلك قَواماً)) سورة الفرقان؛ وقوله تعالى: ((إنّ هذا القرآن يَهْدِي للتي هي أَقْومُ)) سورة ال ؛ قال الزجاج: معناه للحالة

التي هي أَقْوَمُ الحالاتِ وهي تَوْحِيدُ الله، وشهادةُ أن لا إله إلا الله، والإيمانُ برُسُله، والعمل بطاعته.

وقَوَّمَه هو؛ واستعمل أبو إسحق ذلك في الشِّعر فقال: استقامَ الشِّعر اتَّزَنَ.

وفي اللسان: القيامُ: نقيض الجلوس، قام يَقُومُ قَوْماً وقِياماً وقَوْمة وقامةً، والقَوْمةُ المرة الواحدة. قال ابن الأَعرابي: قال عبد لرجل أَراد أن يشتريه: لا تشترني فإني إذا جعت أَبغضت قَوْماً، وإذا

شبِعت أَحببت نَوْماً، أي أَبغضت قياماً من موضعي؛ والقيام في علم الدلالة ثبات واستقامة:

 

 قال تعالى في سورة البقرة الاية 20 في وصف المنافقين: (يكاد البرق يخطف أبصارهم كلما أضاء لهم مشوا فيه واذا أظلم عليهم قاموا ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم ان الله

على كل شيءٍ قدير) ؛ وكثيرون يظنون (قاموا ) بمعنى وقفوا ؛ وهو خطأ ، انما قاموا تعني انهم ثبتوا ولم يتحركوا من أماكنهم، وهو ما يقتضيه السياق الكريم.

 ثبتوا مكانهم زائغين حائرين. ومثله قول الله تعالى شأنه :(ولتقم طائفة منهم معك) سورة النساء / 102اي لتثبت معك صامدة.

 وقوله تعالى: (ومن آياته أن تقوم السموات والأرض بأمره[da1] ، ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنتُمْ تَخْرُجُونَ) سورة الروم/ 25 أي تثبت ولا تتحرك

 وهكذا مع استحضار مفهومٍ جميلٍ عامّ للقرآن الكريم وهو أنه حمَّال أوجه ...

 فالسياق يقتضي ذلك ( في الآية 20 من سورة البقرة) إذ أن المشي هو السبق للإقامة والثبات ، أي السكون وعدم القدرة على الحركة.

والأمثلة كثيرة مثل أقمت بالدار عشر سنين . كذا في قوله تعالى: ((ويا أهل يثرب لا مقام لكم)) الأحزاب/13.أي لا ثبات ولا إقامة دائمة لكم .

ولنتناول قوله تعالى في توصيف عذاب القرى الظالمة، في سورة هود/100:

((ذَٰلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْقُرَىٰ نَقُصُّهُ عَلَيْكَ ۖ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ)). فنلاحظ التضاد الواضح بين( قائم) وبين( حصيد) ،يقول الطبري في تفسيره:

يعني ب " القائم " قُرًى عامرة. و " الحصيد " قرى خامدة.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (قائم وحصيد) ، قال: " قائم " على عروشها ، و " حصيد " مستأصَلة. فالواضح من تفسير الطبري هو ما يتواءم

مع الدلالة البيِّـنـة في أن (قائم) تدل على الثبات، و (حصيد) تدل على المتحرك.

فالحَصْدُ: جزُّكَ البُرَّ (قطع سنابل القمح) ونحوه من النبات. حَصَدَ الزرع وغيره من النبات يَحْصِدُه ويَحْصُدُه حَصْداً وحَصاداً وحِصاداً؛ وعن اللحياني: قطعه بالمِنْجَلِ؛ وحَصَده واحتصده

بمعنى واحد.

والزرع محصود وحَصِيدٌ وحَصِيدَةٌ وحَصَدٌ، بالتحريك؛ ورجل حاصد من قوم حَصَدةٍ وحُصَّاد.والحَصَاد والحِصاد: أَوانُ الحَصْد.

والحِصَادُ والحَصِيدُ والحَصَد: الزرع والبر المحصود بعدما يحصد؛ وأَنشد:

 إِلى مُقْعَدات تَطْرَحُ الريحُ بالضحى،*** عليهنَّ رَفْضاً من حَصَادِ القُلاقل

وقلنا: القلاقل: بقلة برية يشبه حبها حب السمسم ولها أَكمام كأَكمامها؛ وأَراد بحصاد القلاقل ما تناثر منه بعد هيجه. وجميع ما سبق يشير إلى أنَّ(الحصيد) يضادُّ (القائم) في الدلالـــة.

وفي التنزيل العزيز: ((الرجالُ قَوَّامون على النساء))سورة النساء / 34 ؛ والقِيام هنا هو المُثُولُ والتَّنَصُّب وضدّ القُعود، وهو أيضا من قولهم قمت بأَمرك، فكأنه، والله أَعلم، الرجال

مُتكفِّلون بأُمور النساء مَعْنِيُّون بشؤونهن، موظفون لرعايتهن وحمايتهن.

ولا تعارض بينها جميعا كما توهّم بعض اللغويين.

وصرَّح ابن منظور بما أسلفنا فقال رحمه الله:

وقوله عز وجل: ((لا يُؤَدِّه إليك إلا ما دُمت عليه قائماً))سورة آل عمران / 75؛ أي مُواظِباً مُلازِماً، ومنه قيل في الكلام للخليفة: هو القائِمُ بالأمر، وكذلك فلان قائِمٌ بكذا إذا كان حافظاً له

متمسكاً به. قال ابن بري: والقائِمُ على الشيء الثابت عليه، وعليه قوله تعالى: من أهل الكتاب أُمةٌ قائمةٌ؛ أي مواظِبة على الدين ثابتة. يقال: قام فلان على الشيء إذا ثبت عليه وتمسك به؛ ومنه

الحديث: اسْتَقِيموا لقُريش ما اسْتَقامُوا لكم، وقال أيضا في موضع آخر من مادة ( ق و م):

والقائم بالدِّين: المُسْتَمْسِك به الثابت عليه.

والقوم من تربطهم صلة الدم والعصبية، ولم تستعمل العرب فيما أعرف مصطلح القومية بمفهومه الـ(الشوفيني) المقيت أبدا... وانما وجدت القومية ( بضمِّ القاف) بمعنى القدِّ والقوام، وجاء في

اللسان:

القُومِيَّةُ القَوام أَو القامةُ. وقال الأَصمعي: فلان حسن القامةِ والقِمّة والقُوميَّة بمعنى واحد؛ وأَنشد: فَتَمَّ مِنْ قَوامِها قُومِيّ ويقال: فلان ذُو قُومِيَّةٍ على ماله وأَمْره.

وتقول: هذا الأَمر لا قُومِيَّة له أي لا قِوامَ له.

وصلى الله على سيدنا محمد معلم الناس الخير وآله وصحبه وسلم.