على من نطلق الرصاص - الجزء الاول - بقلم - عبده النقيب* طباعة
مقالات - صفحة /عبده النقيب
نشرها صبرنيوز - SBR NEWS   
الاثنين, 21 ديسمبر 2015 05:12

في خضم البحث عن حلول ناجعة لمشاكلنا المزمنة والمعقدة تبرز اهمية تظافر الجهود المختلفة لإيجاد قراءة واقعية ودقيقة لواقعنا الجنوبي الراهن ادعو كل المخلصين للمساهمة في البحث عن أسباب فشلنا المتكرر خلال المرحلة الماضية فبمعرفة اسباب الفشل نستطيع تحديد ماهية البدائل المناسبة لنا حيث تنتصب امامنا جميعا مهام ملحة يتوقف علي انجازها شكل المستقبل الجنوبي بأكمله.
هذه مساهمة مني في ثلاث حلقات اتمنى ان اكون قد اسهمت ولو حتى بتوجيه النقاش إلى المكان الصحيح.

الحلقة الاولى:


اعرف عدوك هي الحكمة التي اطلقها الفاروق عمر وهي الممارسة التي نعرفها في السياسية, فلم تنشأ الاجهزة

الاستخباراتية ومراكز الابحاث والبعثات بمختلف توجهاتها( تبشيرية, استكشافية , استشراقيه وغيرها) بل الامر اخذ منحى آخر واهم في الأزمنة الحديثة حيث صارت منظمات المجتمع المدني احد ابرز الوسائل لجمع المعلومات والاستقصاء التي تساهم في اعداد الدراسات التحليلية المعمقة لمعرفة نقاط القوة والضعف لدى الجهة المستهدفة او مجتمع ما.
لا تقتصر معرفة العدو واهميتها على مسألة التفكير بوضع الخطط الهجومية المختلفة والتآمر على الاعداء بل ان هناك وجه آخر للمسألة متعلق بالذات نفسها حيث ان معرفة الذات اولى بكثير من معرفة الآخر, وان اسوأ ما في المسألة ان يجهل المرء ذاته.
تميل الكثير من الشعوب المتخلفة الى القاء اللوم على الاخرين دون نقد الذات فذلك يسهل كثير للهروب من المسؤولية, فلو القينا نظرة على واقع الامة العربية وثقافتها سنجد ان المكتبة تعج بالمجلدات التي تتحدث عن المؤامرات الاستعمارية والغرب ولانرى الا النزر اليسير من النقد السطحي للذات مما يساهم في توسيع دائرة الجهل وتعميق التخلف والتعصب وهي اخطر الاعداء التي تمزق كيان الامة والمجتمعات العربية وتمنح العدو الخارجي المسوغات والمبررات والاسباب لتنفيذ مآربهم وفي معظم الحالات يتم استخدامنا كأدوات لهم لتنفيذ مآربهم وتعد الجماعات التكفيرية الارهابية مثال ساطع وملموس على ذلك.
ان من يريد ان يبني حاضره فعلية بمعرفة ماضية بدقة متناهية ,لان الحاضر لن يكن ابدا منفصل عن الماضي وعليه يتم اعادة بناء وتأسيس الحاضر. اختلف الكثيرون حول رؤيتهم للماضي بشموليته ( ثقافيا وفكريا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا) وهناك جدل كبير حيال التعامل مع التراث. دون الخوض في تفاصيل الخلاف المتشعب الا ان ابرز الاتجاهات التي تنظر للتراث وكيفية التعامل معه تتمثل في ان البعض ينحو نحو تقديس الماضي وانتقاء ما يخدم أيديولوجيتهم وابرزهم ممثلي هذا التوجه هم السلفيين ويقف على الطرف الاخر من يرى بإنكار الماضي وهدمه وهو ما يدخلنا في حالة الفوضى والصراعات الغير ضرورية ويمثله التيار التثويري الماركسي واصحاب نظرية العنف الثوري, ويمثل التيار الثالث بأصحاب المنهجية الاستشراقية التي تنظر للأشياء من خارجها وتنطلق من موقف استعلائي مركزي اوربي.
اصحاب الموقف الاول هم من يقدسون الماضي يحبسونا في كهوفهم فنصاب بالتكلس والثاني يقطع صلتنا بالماضي فيقودنا الى متاهة نفشل في العثور على الحاضر اما الموقف الثالث فيصيبنا في حالة الاغتراب والانفصال عن الذات .
هناك طرف بل واطراف اخرى فرعية تتعاطى من التراث بنظرة نقدية وتعترف بالعلاقة الوثيقة بين الماضي والحاضر لا استطيع التطرق لها هنا لكني سأكتفي بما اود ابرازه كرؤية اعتقد بانها تفيدنا في قراءة ماضينا القريب لمعرفة علاقته بحاضرنا وايجاد فهم وحلول للخروج من اشكالية المآزق التاريخي الذي نعيشه.
يعد الدكتور حسن حنفي احد ابرز المفكرين المعاصرين من المشرق العربي حيث يقول عن الماضي والتراث بالتالي: " الحديث عن القديم يمكن من رؤية العصر فيه، وكلما أوغل الباحث في القديم، وفك رموزه، وحل طلاسمه، أمكن رؤية العصر، والقضاء على المعوقات في القديم إلى الأبد"
د.حسن حنفي ..والتراث والتجديد ص19 الطبعة الرابعة 1992 بيروت.
ويقدم لنا الدكتور محمد عابد الجابري من المغرب العربي وهو كما يصفوه بالممثل الحقيقي لتيار ابن رشد رؤية منهجية اكثر تفصيلية في التعاطي مع التراث تقوم على ثلاثة مرتكزات اساسية تتمثل في الأبعاد الثلاثة ( البنيوي والتاريخي والايديولوجي) بمعنى آخر يرى تفسير وقراءة النص من داخل بنيته وفي سياقة التاريخي وبعده الايديولوجي" البحث عن الوظيفة أو الوظائف الأيديولوجية التي يؤديها الفكر المعني داخل سياقه الدلالي والتاريخي والمرجعي" ..
محمد عابد الجابري نحن والتراث الطبعة السادسة 1993 بيروت.
وحتى لا اتوه في دهاليز الحوارات والخلافات المتشعبة حول التراث فإني اتسلح بتلك الرؤيتين لمواجهة مسألة التعاطي مع تراثنا السياسي والنضالي الجنوبي لستة عقود مضت لعلي اسهم في التعرف من خلال ذلك على ضالتنا وطريقنا التي تمكنا من الخروج من مآزق الحاضر المضطرب والماضي المعيق.
عند البحث في اشكاليات الواقع السياسي الجنوبي الراهن فإننا لابد من ان نقر بان ابرز ما يواجه الثورة التحررية الجنوبية اليوم هو تشكيل قيادة سياسية موحدة وأن ذلك القصور بحاجة الى معالجة سريعة اذا ان غياب هذه القيادة الموحدة امر يشكل خطر كبير على الثورة وقد تخفق في الوصول الى غايتها لهذا السبب وحده.


*سكرتير العلاقات الخارجية للتجمع الديمقراطي الجنوبي "تاج"