جدل الصلاحيات في اليمن ينذر بعواصف سياسية- صنعاء: أبوبكر عبدالله طباعة
عام - من أقوال الصحف
نشرها صبرنيوز - SBR NEWS   
الخميس, 08 ديسمبر 2011 08:03
لم يدر بخلد اليمنيين يوماً، ولا حتى الوسطاء الدوليين والخليجيين، أن تقود الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية التي طالما أصر الرئيس علي عبدالله صالح على وضعها شرطاً لتوقيع المبادرة إلى نتائج عكسية لكن الجميع تفاجأ بأن الآلية حولت نظام صالح من نظام يواجه خطر الاجتثاث في ثورة شعبية تطالب بإسقاطه ومحاكمة رموزه إلى شريك أساس في قيادة عملية التغيير .


أثارت عودة صالح إلى المسرح السياسي بعد توقيعه المبادرة الخليجية غضب شبان الثورة وكذلك المعسكر المناهض لنظامه من زعماء القبائل وعلماء الدين والجيش المؤيد للثورة، خصوصاً بعدما وفرت الآلية التنفيذية مزايا إضافية لصالح ونظامه بجعلهم شركاء في حكومة التوافق الوطني بنصف الحقائب بما فيها السيادية، فيما اعتبر نقطة ضعف جوهرية في مبادرة التسوية الخليجية التي ضمنت لنظام صالح البقاء لاعباً أساسياً في النظام المقبل .
وقد عبر الرئيس صالح عن ذلك بوضوح بعيد توقيعه المبادرة في الرياض إذ تحدث عن مرحلة جديدة تطوي صفحة الأزمة المستمرة منذ 10 أشهر إلى ترحيبه بالشراكة السياسية مع المعارضة في إطار الحكومة الانتقالية إلى تلويحه بتكرار سيناريو حرب صيف 1994 في حال تنكر موقعو المبادرة لها، كما حصل مع وثيقة العهد والاتفاق التي وقعها في العاصمة الأردنية عمان مع خصومه في الحزب الاشتراكي اليمني واندلعت بعدها حرب أهلية انتصر فيها صالح على خصومه الجنوبيين الذين تحولوا إلى لاجئين سياسيين .
وأثير جدل سياسي وقانوني واسع في شأن حدود الصلاحيات الباقية للرئيس صالح بعدما نقلت المبادرة الخليجية سائر السلطات التنفيذية من الرئيس إلى نائبه الذي صار رئيساً مؤقتاً لليمن منذ توقيع المبادرة الخليجية في الرياض في 32 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي .
وتصاعدت حدة الجدل مع شروع نظام صالح في إجراءات حملت شعارات التحرر من الفساد وتصحيح الأخطاء والاختلالات، إلى إعلانهم سحب مناصريهم من ميدان التحرير ودعوتهم المعارضة إلى إجراء مماثل لإنهاء الاحتقان وبوصفهم شركاء في عملية التغيير المقبلة، بدا شبان الثورة مستوعبين لملامح السيناريو المقبل الذي استهدف كسر عنق الثورة على حد تعبير أحد قادة المؤتمر الحاكم الذي اعتبر توقيع الرئيس على المبادرة الخليجية كسراً لعنق الربيع العربي، لذلك انخرطوا في تظاهرات تصعيد ثوري تعهدوا فيها المضي بالثورة لحين تحقيق أهدافها في الإطاحة بنظام صالح ومحاكمة رموزه .
قياساً إلى المبادرة الخليجية التي تنص في بندها الأول على تنحي الرئيس صالح ونقل سلطاته إلى نائبه خلال 30 يوماً في مقابل منحه وسائر من عملوا معه حصانة قانونية فقد غرق الشارع اليمني وعلى مدى الأيام الماضية في تجاذبات حيال تفسير بنود المبادرة وآليتها التنفيذية وسط غليان لدى شبان الثورة في المحافظات ومظاهر سخط حيال ما اعتبروه مؤامرة خطط لها صالح ببراعة لسرقة فرحة اليمنيين بالثورة الشبابية بعد 10 أشهر من الاحتجاجات السلمية التي أوقعت أكثر من ألف قتيل و20 ألف جريح وزهاء 1500 معاق من دون أن تحقق أهدافها في الاطاحة بالنظام .
وأشاعت هذه التحركات إلى أخرى على صلة بسلسلة إجراءات وقرارات اتخذها صالح منذ توقيعه اتفاق التسوية، ردود فعل غاضبة لدى قوى المعارضة التي دعت المجلس الوطني لقوى الثورة لفت نظر مجلس الأمن الدولي إلى ما اعتبروه خروقات يمارسها رأس النظام السابق عن طريق ممارسة صلاحيات رئاسية تم الاتفاق على نقلها إلى نائبه بموجب المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية إلى إعلانهم رفض أي إجراء لا يتناسب مع نقل سلطات الرئيس إلى نائبه، وهو ما عبر عنه المجلس الوطني تالياً، والذي أبدى قلقه من خرق نظام صالح للمبادرة الخليجية قبل أن يجف حبرها إلى دعوته “وضع مصفوفة مزمنة لآلية تنفيذ المبادرة تحدد التزامات الأطراف المختلفة والسعي الحثيث لتنفيذ هذه الالتزامات” فضلاً عن تأكيده بأن سائر صلاحيات الرئيس انتقلت إلى نائبه بموجب اتفاق المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية .
جدل سياسي
لم تخل تفاعلات الأيام الماضية من جدل قانوني وسياسي في شأن حدود صلاحيات الرئيس ونائبه وصفاتهما القانونية والدستورية بعد توقيع اتفاق التسوية الخليجي وخصوصا بعدما شرع كل طرف بتنفيذ المبادرة الخليجية وفق تصوراته وتفسيراته الخاصة .
ويقول الشيخ حميد الأحمر، رئيس اللجنة التحضيرية للحوار الوطني، إن الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية كانت واضحة في نقل صلاحيات الرئيس إلى نائبه باعتبار ذلك موازياً للاستقالة الواردة في النص الأصلي للمبادرة الخليجية .
ويشير الأحمر إلى أن قبول المعارضة بالفريق عبدربه منصور هادي مرشحاً توافقياً للرئاسة، يدل على أن الثورة لا تحمل خصومة مع من لم يتورط في جرائم النظام السابق وينطوي على رسالة واضحة في التعاون الجاد والوطني مع جميع القوى خلال الفترة الانتقالية بالتوازي مع رفض أي إجراء أو فعل يتناقض ويتنافى مع النقل الكامل للصلاحيات الرئاسية للفريق هادي .
وتقول الناطقة الرسمية للمجلس الوطني لقوى الثورة حورية مشهور إن توقيع صالح على المبادرة الخليجية كان إعلاناً بتجريده من سائر مناصبه السياسية والعسكرية وأي صلاحيات يمارسها بعدما نقل صلاحياته إلى نائبه بموجب المبادرة الخليجية تعني خرقاً للمبادرة، لكن قادة في حزب المؤتمر الحاكم يرون أن صالح لايزال رئيساً للجمهورية بموجب المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية لحين انتخاب رئيس جديد في انتخابات مبكرة يفترض أن تتم بعد 90 يوماً من تاريخ توقيع المبادرة الخليجية .
ويقول رئيس الدائرة الإعلامية في حزب المؤتمر طارق الشامي إن المبادرة وآليتها التنفيذية واضحتان، حيث حددت الآلية مرجعية يعود إليها الأطراف لتفسير بنود الآلية التنفيذية ويرى أن المجال اليوم مفتوح ليس للخلافات بل للشراكة الحقيقية بعيداً عن مهاترات الماضي . ويؤكد الشامي أن نائب رئيس الجمهورية يمارس اليوم صلاحياته بموجب التفويض الذي منحه إياه رئيس الجمهورية لتنفيذ المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية وكافة القرارات التي أصدرها وسيصدرها تشير إلى قرار التفويض الممنوح له من رئيس الجمهورية الذي سيظل في منصبه إلى حين انتخاب رئيس جمهورية في الانتخابات الرئاسية المبكرة المقررة في 21 فبراير/شباط المقبل .
ورداً على انتقادات المعارضة للرئيس صالح نتيجة ممارسته مهامه رئيساً للجمهورية بعد توقيع المبادرة الخليجية يلفت الشامي إلى أن الآلية التنفيذية للمبادرة لم تحو أي نص يمنع الرئيس من ممارسة مهماته، كما أن من المجازفة القول إنها تضمنت بنوداً تحول فيها الرئيس إلى رئيس فخري .
قواعد الأخلاق أولاً
يرى الدكتور عبدالله الفقيه، أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء أن “حدود صلاحيات علي عبدالله صالح في المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية محكومة بقواعد الأخلاق ومقتضيات السياسة أولاً وليس بالنصوص القانونية التي برهن صالح بشكل متكرر على قدرته في تعطيلها .
والمبادرة الخليجية، برأي الفقيه، في جوهرها تعرف صالح بأنه “الأزمة” وتعرف “الأزمة” بأنها “صالح”، وما عدا ذلك فهو متروك لصالح ليفهمه كما يريد وعليه أن يقرأ الوضع السياسي والوثيقة بشكل جيد ليفهم أنه خارج اللعبة تماماً وان جميع صلاحياته انتقلت إلى نائبه وإلى الحكومة الانتقالية .
ويضيف قائلاً: “إننا لأول مرة أمام حكومة تملك كل الاختصاصات في حين أعطي لنائب الرئيس “وليس للرئيس الحالي” ثم بعد 90 يوماً للرئيس المنتخب دور تحكيمي في حال ظهور خلاف بين الحكومة والبرلمان أو بين التكتلين الحاكمين داخل مجلس الوزراء .
وحول ما إذا كان صالح لا يزال يمتلك صفة رئيس وصلاحية إصدار القرار يلفت الدكتور الفقيه إلى أن صالح يمتلك لقب رئيس الجمهورية و”اللقب” فقط حتى 21 فبراير ،2012 أما صلاحية إصدار القرارات فقد انتقلت إلى الحكومة بشكل أساسي والى النائب بشكل ثانوي، ولدى اليمنيين اليوم حكومة “وفاق وطني” حلت مع نائب الرئيس مكان صالح الذي لم يعد محل إجماع وطني ولم يعد يحظى بأي قدر من الدعم الشعبي بما في ذلك دعم حزبه .
ويؤكد الفقيه أن صالح لم يعد له أي صلاحيات سوى تلك التي يستمدها من الحزام المتفجر الذي يضعه على خصره ويهدد به الجميع بما في ذلك حزبه ويمكن لصالح أن يظل يمارس السلطة إذا تمكن من وضع بلاطجته وأقاربه والموالين له في المواقع الخاصة بالمؤتمر، وفي هذه الحالة سيكون قد فجر المؤتمر وفجر نفسه وفجر الوضع في البلاد .
وفي شأن ما إن كان التعارض بين صلاحيات الرئيس والحدود التي منحت إليه بموجب المبادرة الخليجية قد يؤدي إلى انعكاسات ذلك على الوضع العام يؤكد الدكتور الفقيه عدم وجود أي تعارض لأنه لم يعد هناك اختصاصات لعلي صالح لكنه إن تمكن من النفاذ إلى الحكومة القادمة عبر حزبه فسيعطل كل شيء وقد يفجر الوضع عسكرياً .
ويلفت الدكتور الفقيه إلى أن أول مهمة للحكومة المقبلة حسب الآلية الخاصة بتنفيذ المبادرة الخليجية ستكون فك الاشتباك العسكري والأمني في مختلف أرجاء البلاد وإخراج المعسكرات من المدن وسيكون ذلك الاختبار الحقيقي لنيات صالح وغيره وما إذا كان جاداً في تنفيذ المبادرة الخليجية أم أنه سيستمر في المراوغة والمراهنة على تعطيلها بافتعال الأزمات والمشكلات الأمنية .
البعد القانوني
يحاول كثير من خبراء القانون تجنب الحديث عن صلاحيات الرئيس صالح ونائبه وفق المبادرة الخليجية خلال هذه الفترة، كما يتجنبون الحديث عما إذا كان اتفاق التسوية الموقع في الرياض قد جرده من سائر مناصبه المدنية والعسكرية ملتزمين بقاعدة أن السكوت عن هذه القضايا خير من التحدث بها .
لكن أستاذ القانون في مركز الدراسات والبحوث اليمني الدكتور محمد المخلافي يؤكد أن الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية حددت صلاحيات نائب الرئيس وهي تقريباً تستغرق كل مهام الرئيس وصلاحياته بدءاً بالمهام المتعلقة بالمرحلة الأولى من الفترة الانتقالية في مهام الرئيس المتعلقة بمجلس النواب والعلاقات الخارجية .
ويقول إنه “بموجب المبادرة حل نائب الرئيس محل الرئيس في إدارة السلطة التنفيذية بالكامل وصار النائب هو المعني بمهام الرئاسة عدا المهام القضائية وهي تتمثل بالتصديق على أحكام الإعدام أو دعوة مجلس القضاء الأعلى لاجتماع” .
ويؤكد الدكتور المخلافي أن صالح لم يعد له بموجب المبادرة والآلية التنفيذية أي صلاحيات في إصدار القرارات لأنه صار رئيساً شرفياً، وإن لم تنص المبادرة على ذلك، خصوصاً أن نقل مهمات الرئيس إلى النائب بموجب الآلية بما في ذلك مهماته كرئيس للسلطة التنفيذية وكذلك المهام الأخرى المتعلقة بالعلاقات الدولية وغير ذلك تعني أنه لم يعد له أي صلاحيات تتصل بالسلطة التنفيذية إجمالاً بما في ذلك سلطة إصدار القرارات لأن هذه السلطات انتقلت إلى الفريق عبد ربه منصور وحكومة الوفاق الوطني .
ويفسر الدكتور المخلافي المهام التي منحت لنائب الرئيس بموجب الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية، ويشير إلى أنها حددت بست مهام تشمل الدعوة لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة وممارسة جميع مهام الرئيس المتصلة بمجلس النواب وإعلان تشكيل حكومة الوفاق الوطني في المرحلة الأولى وتنصيبها وجميع المسائل المتصلة بمهام لجنة الشؤون العسكرية وتحقيق الأمن والاستقرار وإدارة العلاقات الخارجية إلى المدى الضروري لتنفيذ هذه الآلية .
يضاف إلى ذلك إصدار المراسيم اللازمة لتنفيذ الآلية بمعنى أنها أعطت للنائب صلاحية كل مهام المرحلة الأولى من الفترة الانتقالية، يضاف إليها القضايا المتعلقة بشؤون مجلس النواب والعلاقات الدولية .
بعد هذا التحديد جاء نص المادة ال 15 من الآلية التنفيذية الذي يقول “في المرحلة الأولى يمارس نائب الرئيس وحكومة الوفاق الوطني السلطة التنفيذية”، ويشمل ذلك تنفيذ كل ما يتعلق بهذا الاتفاق بما في ذلك النقاط التالية جنباً إلى جنب مع مجلس النواب حسب الاقتضاء .
ويرى أن “المهم هو هذا النص الذي يعني أن صلاحيات السلطة التنفيذية انتقلت إلى نائب الرئيس وحكومة الوفاق الوطني بصورة كاملة هذا النص يكفي لتأكيد أن صلاحيات الرئيس انتقلت إلى نائبه” .
وفي شأن الأولوية للدستور والقانون والمبادرة الخليجية، يتفق الدكتور المخلافي مع الرأي الذي يقول إن المبادرة الخليجية صارت دستور اليمن للفترة المقبلة بل ويشير أيضاً إلى الآلية التنفيذية وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2014 وكذلك قرار مجلس حقوق الإنسان فكل ما ورد في هذه الوثائق له أولوية في التطبيق على التشريعات اليمنية بما في ذلك الدستور .
ويلفت المخلافي إلى أن المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية أخذت طابع القواعد الدولية لأنها حظيت بإجماع دولي ولحقها بيان صادر عن مجلس الأمن وآلية تنفيذ أممية قدمها مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة، وبالتالي فإن لها أولوية التطبيق على القانون الداخلي، سواء كان دستوراً أم تشريعات قانونية، وثانياً المنظومة الدولية وتحديداً مجلس الأمن والأمم المتحدة المعنيان بمتابعة التنفيذ وأي طرف سيحاول تفسيرها بطريقته الخاصة سوف يواجه المجتمع الدولي لأن المبادرة والآلية أتت من منطلق مسؤولية الأمم المتحدة ومجلس الأمن لحماية السلم والأمن الدوليين، وفي ظل مخاوف دولية من انزلاق اليمن إلى دوامة حرب أهلية طاحنة .
وفي شأن انعكاسات ممارسة الرئيس صالح لصلاحيات خارج الحدود التي حددتها المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية، يؤكد المخلافي أن اتفاق التسوية الخليجي صار ملزماً للجميع وأي خرق له سيكون محاولة لإعاقة تنفيذه وسيتصدى له اليمنيون والمجتمع الدولي معاً، وقال: “أعتقد أن اليمن أمسك ببداية الحل وعلينا أن نمضي قدماً لإنجازه، وهناك قوى خارجية وداخلية ستعمل على ضمان مضي اتفاق التسوية قدما إلى الأمام” .


المصدر : صحيفة " الخليج " الاماراتية