المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اليمن: أي حوار؟ -> جريدة الجريدة الكويتية


حضرمي جدآوي
05-09-2009, 02:40 AM
اليمن: أي حوار؟
حسام عيتاني
info@aljarida.com (info@aljarida.com)
[فقط الأعضاء المسجلين والمفعلين يمكنهم رؤية الوصلات]حسام%20عيتاني_thumb.jpgالحوار هو السبيل الوحيد لتعزيز الوحدة اليمنية الراسخة رسوخ الجبال، على ما قال الرئيس علي عبد الله صالح في ختام المؤتمر الشعبي العام قبل أيام. ليس مهماً هنا ذلك التباين اللفظي الظاهر بين الحوار كوسيلة لتعزيز الوحدة ورسوخ هذه رسوخا لا يحتاج معه إلى حوار أو أي شيء آخر طالما أنه كالجبال.
ما يهم فعلا هو محاولة الإجابة عن سؤال بسيط يتعلق بما كان يحول دون إطلاق السلطات اليمنية للحوار مع القوى السياسية المختلفة منذ إعلان الوحدة قبل تسعة عشر عاما أو بعد محاولة انفصال الجنوب والحرب التي رافقتها في العام 1994، أو على الأقل منذ الأحداث التي بدأت في العام 2004 مع الحوثيين. وعلى جاري عادة عربية، تُكتشف الأخطاء والسلبيات بعد نزول الناس إلى الشوارع واندلاع اضطربات غالبا ما تبدأ لأسباب اقتصادية–اجتماعية لتتحول إلى أعمال عنف مسلح يرفع أصحابها شعارات كبيرة وخطيرة. وتعهد الرئيس صالح بعدم اللجوء (هذه المرة؟) إلى القوة لاحتواء الاحتقان الذي لم يبخل على المسؤولين عنه بالصفات من نوع «المأجورين» و«المخربين» و«المرتدين».
ليست جديدة أجواء الاستياء في الجنوب منذ ما قبل حرب العام 1994 والتي تفاقمت بعده، وليست جديدة أيضا المشكلات الاقتصادية المعقدة التي يعانيها اليمن والتي جعلت أرقام البطالة تصل إلى خمسة وثلاثين في المئة من القوة العاملة وفق إحصاء غير رسمي وزع قبيل الاحتفال بعيد العمال في الأول من أيار/مايو. ويحتل اليمن، كما هو معروف، موقعا متدنيا جدا على لائحة الدول النامية في التقارير السنوية التي يصدرها برنامج الأمم المتحدة للتنمية (شغل اليمن المركز 138 في مؤشر التنمية البشرية في تقرير البرنامج للعام 2008).
التذمر السياسي الذي تعبر عنه قوى «الحراك الجنوبي» ومناخات الأزمة الاقتصادية التي تصاعدت حدتها في العام الماضي، ينتج تضافرهما مزيجا متفجرا ليس في الجنوب فقط بل في العديد من المناطق اليمنية التي تتميز بنيتها السياسية والاجتماعية القبلية والمذهبية بخصوصيات معروفة.
تغري خلفية المشهد هذه بالانتقال إلى سؤال يتناول النظام السياسي في اليمن. غني عن البيان أن تأجيل الانتخابات النيابية التي كانت مقررة في نيسان (إبريل) الماضي مدة عامين قد زاد من حدة التوتر في البلاد، وجاء التأجيل ليعلن لليمنيين إرجاء حقهم في المشاركة في رسم مستقبلهم وبالتالي في معالجة صعوباتهم الاقتصادية والسياسية من خلال صناديق الاقتراع، إرجاءً قد يتيح المجال أمام قوى في السلطة أو خارجها لفرض وجهات نظرها في مسائل قد تمتد إلى تحديد مستقبل الحكم، على الرغم من دعوة المؤتمر الشعبي اليمنيين إلى المشاركة في الحكم. وليس كشفا يُذكر القول أن تأجيل الانتخابات ساهم في رفع مشاعر الإحباط في الأوساط الأكثر تأثرا بالأزمة الاقتصادية المتزايدة حدتها وبارتباك العلاقات بين الشمال والجنوب.
لكن النظام السياسي اليمني لا يفعل، في واقع الأمر، سوى تكرار التجارب العربية السابقة لناحية إدارة البلاد إدارة مركزية على الرغم من التنوع والتعدد الذي تظهره معطيات التاريخ والانتماءات المختلفة. بمعنى أن المشهد اليمني الحالي قد سبق أن ظهر في أماكن أخرى من العالم العربي حيث استخدمت السلطات في تلك الأماكن وسائل جلبت المزيد من الانقسام، سواء في السودان أو العراق أو الجزائر أو في غيرها من البلدان.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن مؤسسة الدولة في العالم العربي لم تتجاوز بعد التوصيف الخلدوني (نسبة إلى ابن خلدون) لها والقائم على اعتبار الدولة أداة حكم العصبية الأقوى. فمهما تتنوع العناصر المشكلة للبلد العربي المعني، تطفُ إلى السلطح دائما جماعة تعتبر أنها الأحق بممارسة السلطة بفضل قوة عصبيتها، ما يضعها، على نحو آلي، في صراع مع العصبيات التي تبقى خارج نعيم السلطة والدولة.
وإذا عُطف هذا التشخيص القديم على التمسك الجديد والشديد بصيغة مركزية للحكم لا تدع للأطراف وللجماعات المتضررة من حكم العصبية الأقوى سبيلا للتعبير عن حقوقها وثقافاتها والقدرة على إصلاح أوضاعها من دون أن تجد نفسها في حالة اقتتال مع الحكم المركزي، سنكتشف أننا أمام علة عربية واحدة تتخذ أسماء مختلفة في كل بلد.
بيد أن أي علاج يُقترح يوسم على الفور بسمة التآمر والسعي إلى تفتيت البلاد. فلا الفدرالية تصلح في العالم العربي ولا اللامركزية الموسعة، بحيث لا يبقى إلا تسويات مؤقتة تمهد الطريق أمام المزيد من الحروب الأهلية.
* كاتب لبناني


كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء


المصدر / جريدة الجريدة الكويتية
[فقط الأعضاء المسجلين والمفعلين يمكنهم رؤية الوصلات]
يمنكم التعليق والتوضيح !

تحية جنوبية - بعبق الإستقلآل والحرية