المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اليمن، الحراك الجنوبي ملفات وتسويات -> ميدل ايست اونلاين


حضرمي جدآوي
05-12-2009, 01:55 PM
First Published 2009-05-12, Last Updated 2009-05-12 11:39:50


بقلم: عادل أمين


سياسة الرقص على رؤوس الثعابين أفرزت كل هذا الوضع السيئ الذي تشهده البلاد، والاستمرار في تلك السياسة ستقود البلاد إلى كارثة محققة.

ميدل ايست اونلاين


تنبئ المواجهات الأخيرة في محافظتي لحج والضالع بأن قادة الحراك السلمي في المحافظات الجنوبية ربما قرروا الانتقال من مرحلة النضال السلمي إلى مرحلة العمل المسلح. وعلى ما يبدو فقد سيطرت عليهم فكرة حرق المسافات بعدما ظلوا طيلة عامين كاملين يذرعون شوارع وساحات مدن الجنوب دون أن يحققوا شيئاً من مطالبهم، وبدا عليهم وكأنهم يستعجلون قطف ثمار نضالهم إن صح التعبير، وإذ كانوا يؤملون في انتخابات 27أبريل/نيسان 2009 المؤجلة حتى 2011 أن تكون فرصتهم السانحة لتحويلها إلى ما يشبه الاستفتاء على الوحدة وإعلان رفضهم الاستمرار فيها لتكون بمثابة رسالة للخارج، فإن تأجيل الانتخابات فوت عليهم تلك الفرصة، ولم يعد بمقدورهم الانتظار لعامين قادمين ليُرسلوا للعالم تلك الرسالة، لذا ربما وجدوا أن ثمة رسالة أسرع سيتلقفها العالم حين ينفجر الوضع في الجنوب وتصطبغ وجوه اليمانيين بدماء بعضهم، ساعتها سيقتنع العالم بالأمر الواقع الذي يحاول هؤلاء المغامرون تكريسه، أو هكذا يفكرون.

من جانب آخر، من غير المستبعد أن يكون اللاعب الخارجي (الإقليمي والدولي) قرر تهييج الملف الجنوبي - في هذا التوقيت بالذات- لتصفية حسابات، وتسوية ملفات ما تزال عالقة مع النظام الذي يبدو انه يتعمد الإبقاء على بعض النوافذ والفجوات في منظومته الأمنية ليبتز بها منظومة الأمن الإقليمية والدولية، تلك الفجوات تتوزع شمالاً وجنوباً وفي كل اتجاه، وبأشكال مختلفة، مخلفة ورائها قلقاً متعاظماً لشركاء النظام وإرهاقاً متواصلاً لمحافظهم، وهؤلاء ربما نفد صبرهم، وبخاصة مع استمرار رفدهم خزانة النظام بالأموال طوال الوقت، فيما النتائج المتوخاة ليست بذي قيمة، وحتماً سيجدون من الوسائل المناسبة ما يحدّون بها من إنفاق المزيد من الأموال في غير ذي طائل، وبالتالي تصبح المعادلة الموضوعية هي؛ بقدر ما يفتح النظام لشركائه من نوافذ وفجوات تقلقهم وتستثمرهم كمشروع تنمية مستدامة لإطالة عمره، بقدر ما يفتحون له من أبواب وجبهات تقض مضاجعه، وتهدد بزواله، وبناء عليه، ليس شرطاً أن حل الأزمة الجنوبية ينبع بالضرورة من ذات الجنوب، بل ربما هو يكمن في الشمال، وفي شمال الشمال أيضاً، الأمر يتطلب مسارعة النظام إلى ردم الفجوات المصطنعة وعدم مناورة شركائه من خلالها، تلك باختصار رسالة الخارج للنظام، وعليه أن يعيها جيدا قبل أن يجد نفسه في وضع لا يُحسد عليه أمام اتساع فجوة الجنوب الكبرى، فهؤلاء الشركاء لن يقبلوا بمساعدة النظام على إغلاق النوافذ المزعجة له، فيما هو ما زال يفتح عليهم أبواباً مؤذية يصعب إغلاقها إلاّ من قِبَله؟!

إن استدعاء الصراعات الإقليمية إلى بلد ما ليس شيئاً عادياً، والنتائج المترتبة عليه ليست بالأمر الهين، والاعتقاد بامتلاك القدرة على اللعب فوق كل الحبال والإمساك بكل خيوط اللعبة هو ضرب من الغرور المودي حتماً إلى التهلكة، صحيح أن شركاء النظام الدوليين والإقليميين ما زالوا يعلنون تأييدهم لوحدة البلاد ويرفضون انزلاقها إلى متاهات العنف والفوضى، لكنهم في المقابل مع دعوات الحوار لحل الخلافات والوصول إلى وضع آمن ومستقر يحفظ مصالحهم ويجنبها مخاطر تلك الخلافات والصراعات، وبمعنى أكثر وضوحاً فإن الشركاء الدوليين لا يرغبون برؤية صومال أخرى على الضفة الشرقية للبحر الأحمر وباب المندب، فالوضع لا يحتمل مزيداً من الدول الفاشلة في هذا الجزء المهم من العالم المطل على أخطر شريان للطاقة في العالم، وتلك هي بالضبط نقطة الضعف التي يحاول النظام العبور من خلالها لابتزاز العالم، وتخويفه بأن اليمن على وشك التحول إلى مخزن ضخم لتصدير الإرهابيين يتجاوز بكثير ما لدى الصوماليين من مخزون في هذا الجانب، وبالتالي على المانحين أن يسارعوا لضخ المزيد من الأموال للحيلولة دون وقوع الكارثة المنتظرة.

لكن اللاعبين الكبار اثبتوا أنهم يستعصون على الابتزاز من قبل لاعبين صغار تنقصهم الخبرة وتعوزهم الإمكانيات، وهاهم يلاعبون شركائهم الصغار ببعض الأوراق البسيطة من طرف الملف المليء بالأوراق الخطرة.

الورقة الأولى كانت فضيحة رشوة مست احد أركان النظام وهزت كيانه باليسير مما في ذلك الملف الذي لا شك يزخر ويفيض بما هو أعظم، أما الورقة الأخرى الأكثر خطورة فهي لا تهدد الوحدة فحسب بل وتهدد مستقبل النظام كذلك، إنها مجرد رسالة لا غير، فحواها؛ كفوا عن العبث وعن اللعب بالنار، لا تتوهموا أن بمقدوركم مناطحة دول عظمى تصول وتجول في مياهكم الإقليمية، وتمتد مصالحها إلى عمق ترابكم وصحاريكم.

ليس بالضرورة أن يكون هدف التغذية الخارجية للحراك الدفع بمشروع الانفصال إلى نهايته، والعودة باليمن إلى ما قبل الوحدة- وإن كان الأمر غير مستبعد على المدى البعيد- لكن المرجح أن يكون الهدف - في الوقت الراهن على الأقل- أن يستيقظ النظام في صنعاء ويعي أين مصالح الكبار فيبادر إليها، ولا يلتهي عن المهام المنوطة به من قبل شركائه، ويكف عن اللعب ببعض الأوراق المزعجة والمكلفة.

الورقة الثالثة لم تنتظر كثيراً، بل جاءت لتزيد من مخاوف النظام، ولتفتح عليه نافذة جديدة، وفجوة إضافية- كالتي يفتحها هو على شركائه- تخلط عليه الأوراق، وتثقل كاهله بمخاطر على شاكلة ما يحصل في الجنوب، تلك الورقة الجديدة برزت مؤخراً تحت لافتة " الحراك الوطني لأبناء الصحراء" والذي يضم محافظات مأرب- الجوف- شبوة- حضرموت، إنه نواه لمطالب جديدة، قد تأخذ نفس طريق التصعيد الذي مر به الحراك الجنوبي!

تحالف الصحراء هذا، مسمى جديد لتكتل بشري مناطقي نفطي، وهو بمثابة رسالة أخرى للنظام تحمل أكثر من دلالة، ليس أقلها أن اليمن مُعرض لأكثر من حالة انقسام وتمزق، وأن من يلاعبهم النظام ويظنهم أقل منه شطارة و" فهلوة" قادرون على مجاراته وبزه في هذا الجانب، وبإمكانهم إرهابه- مثلما ظل يرهبهم- بصناعة الفجوات التي ظلت لفترة طويلة حقاً حصرياً عليه، ومنتجاً خاصاً به!

بقى أن نشير هنا الى قضية مهمة ربما فطن إليها النظام وربما لا، وهي أن دعوات شركائه له للحوار والمصالحة مع من يعتبرهم انفصاليين وخارجين عن الشرعية والنظام والقانون تعد بمثابة اعتراف غير معلن بهؤلاء كقوى سياسية فرضت نفسها على أرض الواقع، وصار من غير الممكن تجاوزها، أو فرض الحلول بمعزل عن مشاركتها والتفاهم معها، وتلك مقدمة قد تسوق القضية الجنوبية باتجاه التدويل مستقبلاً، وقد احتفت السلطة بتلك المواقف الخارجية وعدتها انتصاراً لها، ودعماً للوحدة، في الوقت الذي لم تشر فيه بيانات وتصريحات تلك الدول(الإقليمية والدولية) الى أن القضية برمتها هي شأن داخلي يخص الحكومة اليمنية ولا يجوز التدخل فيها!

سياسة اللعب بالمتناقضات هل سقطت؟

على كل حال يمكن اعتبار مهرجان زنجبار(أبين) يوم 27 أبريل/نيسان الفائت بأنه الشرارة التي هيجت النفوس، وأشعلت المشروع الجديد (مشروع المواجهة)، ويأتي هذا التطور في الأحداث تالياً لبعض التطورات المتسارعة على الساحة الجنوبية وفي طليعتها إعلان الشيخ طارق الفضلي انضمامه للحراك الجنوبي، والذي بدوره فتح الباب على مصراعيه وشجع العديد من مشايخ المناطق الجنوبية على الانضمام للحراك، وهو ما أكسبه بعداً قبلياً وزخماً جماهيرياً لم يكن بالحسبان، وإن كان البعض يذهب في تحليله إلى أن المستفيد الأول من انضمام الفضلي للحراك هي السلطة، لجهة أنها تمكنت من صبغ الحراك السلمي بطابع الإرهاب، وشبكت بينهما من خلال شخصية الفضلي المرتبطة بتاريخ جهادي يصل مباشرة إلى أسامة بن لادن، وبذلك تكون قد قطعت أي أمل للحراك بحصوله على الدعم والتأييد الدولي بحسب البعض، لكن ينسى هؤلاء أن الحراك سيكسب مساندة والتفاف الجماعات الجهادية المسلحة حوله، وهي الجماعات نفسها التي حسمت حرب الانفصال لصالح السلطة.

في الوقت نفسه يعلم النظام قبل غيره أن المجتمع الدولي لا يستطيع أن يغير من سياسة الأمر الواقع الذي يفرضه طرف على طرف، وهو عاجلاً أو آجلاً يضطر للاعتراف بما هو قائم بالفعل على الأرض والتعامل معه.

وبصرف النظر عن ذلك، فالمرجح قيادة الفضلي للحراك في قابل الأيام، بالنظر إلى حجم ومكانة الرجل عشائرياً، وخلوا الساحة الجنوبية من الرموز والشخصيات الكبيرة ذات الإجماع الوطني القادرة على سد الفراغ القيادي فيها، ومهما يكن الأمر فلا احد يستطيع أن ينكر مدى ما حققه الحراك من مكاسب بانضمام الفضلي إليه مقارنة بالمكاسب المخطط لها في حال صحت نظرية المؤامرة، يكفي أن يقال أن المواجهات العسكرية بين قوات الجيش والمجموعات المسلحة في لحج والضالع استعرت بعد عودة المشاركين في مهرجان أبين إلى مناطقهم، فالمهرجان، وكلمة الفضلي، أديا مهمة شحن عواطف الناس ومن ثم تفجيرها في وجه السلطة، وما حصل في تلكم المحافظتين يمكن أن يتكرر في غيرهما.

التطور الآخر الذي سبق المواجهات مع قوات الجيش هو الإعلان عن تشكيل ما يسمى "الجبهة الوطنية المتحدة للنضال السلمي" وهو نتاج توحد ثلاث من هيئات الحراك الجنوبي بقيادة حسن باعوم، وناصر النوبة، وصالح يحيى سعيد، وبذلك تقلصت هيئات الحراك إلى هيئتين فقط هما: هيئة حركة النضال السلمي (نجاح) والتي يقودها حالياً النائب صلاح الشنفرة، والثانية: الجبهة الوطنية المتحدة، والتي لا يُعلم حتى الآن من قائدها الأول.

ويمكن القول أن نجاح قادة الحراك في توحيد كياناتهم المبعثرة، وكذا توجهاتهم وأهدافهم في كيان واحد سيمثل نقلة كبيرة لمشروعهم الذي تتخوف منه السلطة، والتي ما زالت تراهن على افتراقهم وتشتتهم، وتنازعهم القيادة، لكن يبدو أن الأمر لن يطول حتى نسمع بتوحد تلك الهيئات تحت مسمى جديد وقيادة جديدة، فثمة تحركات جارية بهذا الشأن، وتوحي المؤشرات باستحالة احتواء الحراك أو الحد من تدفقه، والمرجح أن تتطور هيئاته السياسية فتأخذ طابعاً جديداً في كل مرحلة، فيما سيستمر الدعم الإقليمي له بطرق خفية تضمن بقائه ورقة ضغط مؤثرة على الحكومة اليمنية، إلاّ أن السلطة ذهبت تستعد لمواجهة الأسوأ بالإعلان عن تشكيل هيئات شعبية في المحافظات والمديريات، وأخذت تجمع لها الأموال، وتمدها بالسلاح بذريعة الدفاع عن الوحدة، وكأننا نستعيد تجربة حرب صيف عام 1994، هذا في الوقت الذي تدعوا فيه الفعاليات والأحزاب السياسية في الداخل، ودول الجوار، بل وبعض الدول الكبرى إلى الحوار ونبذ العنف كطريق موصل لحل الأزمة القائمة، وكمخرج وحيد لتجنيب البلاد مغبة الانزلاق إلى نار الفوضى وعدم الاستقرار.

الدرس المهم الذي نخلص إليه من هذه الأحداث هو فشل سياسة السلطة في اللعب بالمتناقضات، والجري وراء التوازنات السياسية والمناطقية والعشائرية، وخلق الأزمات وتوظيفها في خدمتها وفق نظرية "دع الأزمات تحل بعضها بعضاً"، ومن المؤكد أن سياسة الرقص على رؤوس الثعابين أفرزت كل هذا الوضع السيئ الذي تشهده البلاد، والاستمرار في تلك السياسة ستقود البلاد إلى كارثة محققة، والمطلوب اليوم تغيير تلك السياسات والسلطة المتبنية لها، وإفساح المجال أمام الجماهير كي تقول كلمتها بحرية بعيداً عن وسائل الترغيب والترهيب التي تمارسها السلطة، وهذا يتطلب الإسراع بالتحضير والإعداد للعملية الانتخابية وفق شروط صارمة من العدالة والحرية والنزاهة، وتوسيع صلاحيات الحكم المحلي، والأهم من كل ذلك رد الحقوق لأصحابها، وتطبيق معايير المواطنة المتساوية، واستعادة دولة النظام والقانون، وإحالة الفاسدين والناهبين الى القضاء.


عادل أمين adelameen@maktoob.com (adelameen@maktoob.com)



المصدر /
[فقط الأعضاء المسجلين والمفعلين يمكنهم رؤية الوصلات]


تحية جنوبية - بعبق الإستقلآل والحرية