المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الكرامة المصرية تعاني ظاهرة الكسوف ...


طائر الأشجان
12-31-2009, 08:42 AM
لم تكن مُصادفةً أن يتخذ العرب من مصر‎ ‎قبلةً لقوميتهم في خمسينيات القرن المنصرم ، فبزوغ نجمٍ من كوكبة ‏الضباط الأحرار ،‏‎ ‎أنجبه صعيد مصر لأبٍ يعمل ساعياً في إحدى دوائر البريد ، هو جمال عبد الناصر حسين ،‏‎ ‎الذي كان على موعدٍ مع القدر لإحداث ذلك الإرتجاج الذي انبثقت عنه شرارة الثورة من‎ ‎مصر لتسري في ‏وجدان الأمة سريان النار في الهشيم ، وتجعل من مصر أسطورةً في زمنٍ‎ ‎عفّت عنه الأساطير ، ومن رئيسها ‏رمزاً أقربَ إلى الخرافةِ في ذاكرة الإنسان العربي‎ ‎، وبات ابن الكنانة يشعر بالتفرّد بالزهو في الفضاء العربي ، ‏وبالفخر الذي يستحقه‎ ‎دون منازع ، وطفقَ المبدعون من كُتّابٍ وشعراء وموسيقيين يتغنون بمصر العروبة ، ‏حتى‎ ‎أصبح المصري جوهرة العِقد بين شعوب المعمورة‎ .

وكان للنهضة الإقتصادية نصيباً وافراً من‎ ‎النموّ على هامش الإستثمارات المصرية في بلدان القارة الأسيوية ‏والأفريقية ، وكذا‎ ‎النشاط السياحي بما تمثله مصر من وجهةٍ حضارية تضرب أطنابها في أعماق الماضي ‏السحيق‎ ‎، وانعكاس ذلك على معنوية الإنسان المصري كعنصر فاعل في مجمل هذه التحولات‎ .
نعود للقول بأن‎ ‎مصر لم تكتسب دورها الريادي هذا نتيجة تحالفات مع أيّ من قطبي الصراع حينها ، بل‎ ‎كانت ‏تستمد وهجها من إرادة الجماهير ، وكان لهذه الإرادة ما يبررها ، فهي تعي حجم‏‎ ‎التحديات ، وتضع نفسها في ‏مستوى المسؤولية التاريخية‎ .

إن القيادة المصرية اليوم قد ارتأت التقوقع‎ ‎، وعزلت نفسها عن محيط الهمّ العربي ، وسعت إلى التطبيع مع ‏العدو الصهيوني لحسابات‎ ‎خاطئة ، مما أفقدها ثقة العرب ، وخَفَتَ الوميض الذي كانت تنفرد به مصر ، وقَبِلَ‏‎ ‎المصري هذا التراجع المهين ، وعاش تجربة الذل بفعل سياسة التجويع والتطويع التي‎ ‎يمارسها نظامهُ في داخل ‏مصر ، وأصبحت تلاحق المصري عقدة الإنكسار أينما ذهب ، وهو‎ ‎يحاول أن يدرأ عن نفسه صفةً ذميمةً لا ‏يقبلها إرثهُ الحضاري ، ولا شموخهُ المعهود ،‏‎ ‎هذه العقدة عبرت عنها بالأمس القريب مباراةٌ في كرة القدم مع ‏فريقٍ عربي ، لا يقلُّ‎ ‎شيمةً عن نظيره المصري إن لم يكن متفوقاً عليه بمليون ونصف شهيد ، يشكلون وساماً‎ ‎على صدر الجزائر الأبية ، ومهما يكن فإن هذا الحدث الكروي ليس موضوع حديثنا بقدر ما‎ ‎نتلمس تداعياته ‏التي تؤكد ما ذهبنا إليه في هذه الأطروحة من أن المصريين يعتبرون‎ ‎تغيّر النظرة إليهم بمثابة خدش لكرامتهم ، ‏مما دعى رئيس الدولة إلى إلقاء خطابٍ‎ ‎ساخن ، أفردَ فيه مساحة كبيرة للحديث عن الكرامة المصرية ، وتوعد ‏مَن تسول له نفسه‎ ‎المساس بهذه الكرامة ، وقد صفّق له المصريون بغباء شديد ، فيما هو مَن مَسّ‎ ‎بكرامتهم ، ‏ومرّغها في الوحل ، ولم تتمكن المعارضة على عنفوانها من تحريك ساكنٍ ،‏‎ ‎وأحسبها عاجزة حتى عن الحيلولة ‏دون واقعة التوريث‎ .

تحياتي‎
طائر‎ ‎الاشجان