المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : محمد بن هاشم بن طاهر.. معلم الأجيال وشيخ الصحافة الحضرمية


abu khaled
05-26-2006, 11:11 PM
محمد بن هاشم بن طاهر.. معلم الأجيال وشيخ الصحافة الحضرمية
الأيام
عمر أحمد الشاطري:

هو أحد رواد حركة التحديث في حضرموت ومهجرها الشرقي (أندونيسيا سنغافورة وماليزيا) شخصية موسوعية متعددة المواهب والقدرات، فهو تربوي قدير تخرج عليه شخصيات كثيرة برزت في التاريخ الحديث لحضرموت وأندونيسيا، كما هو صحفي وكاتب متميز صدرت له ثلاث صحف في أندونيسيا، وكتب مئات المقالات والأبحاث في صحف ومجلات حضرموت والقاهرة لو جمعت لملأت مجلدات ضخمة، له عدة مؤلفات في اللغة والتاريخ والعلوم والاجتماع والفلك، كما كان شاعراً وأديباً. في عام 1355 هـ 1936م عين سكرتيراً للجنة الوطنية والشؤون القضائية (سكرتير الدولة) بالسلطنة الكثيرية.

وصفه تلميذه العلامة الشاعر والمؤرخ محمد أحمد الشاطري في قصيدة بعنوان «من تلميذ إلى أستاذ»:

ليثٌ ولكن المدارس غيلة

بحر فمن طلب الجواهر يغرف

وانظر إلى منثوره وقريضه

فهناك ما يحلو وما يستطرف

وإذا ارتقى عرش الخطابة لم يزل

كالسيل لا يلوي ولا يتوقف

إن حث حرك أو تكلم مادحاً

أطرى وإن وعظ الدموع تكفكف

وإذا أنامله جرت لكتابة

أبدى العجاب يراعُه إذ يرعف

ولد محمد بن هاشم بن طاهر في سنة 1300هـ/1883م بقرية مسيلة آل شيخ التي تبعد حوالي ستة أميال جنوب مدينة تريم حضرموت، وتربى تربية دينية وتعلم على أيدي أشهر علماء عصره كالشاعر الكبير والعلامة الفذ أبوبكر بن عبدالرحمن بن شهاب والعلامة عبدالله بن عمر الشاطري إمام رباط تريم وغيرهما وقرأ عليهم أمهات الكتب في علوم اللغة والدين والتاريخ والمنطق والفلك، ولشدة ذكائه وسريع فهمه فاق زملاءه حتى أصبح ينوب عن شيوخه في غيابهم. في سنة 1325هـ/ 1907م هاجر إلى جاوة بأندونيسيا واشتغل بالتدريس فتولى إدارة مدرسة شمائل الهدى بقرسي، ثم مدرسة قلبينان ثم مدرسة جمعية خير بجاكرتا ومدرسة شمائل الهدى بباكلتقان ثم مدرسة حضرموت بسورابايا. لم يكتف ابن هاشم بإدارة هذه المدارس والتدريس بها بل قام بإعداد مناهجها وإدخال بعض المواد التي لم تدرس بها في ذلك العهد كعلوم الطبيعة والإنشاء والخطابة. يقول المؤرخ العلامة عبدالله بن محمد السقاف في الجزء الخامس من (تاريخ الشعراء الحضرميين): «يعتبر ابن هاشم المؤسس للروح الثقافية الحديثة في الشرق الجاوي، كيف لا ينبغ عليه العدد الوفير وطوائف التلاميذ من مختلف الطبقات والأجناس والأوساط إلى الخطابة البليغة باللغة العربية الفصحى الارتجالية المعربة بعدما كانت ألسنتهم أعجمية.. وقد يكون من المدهش الصعود بعديد منهم إلى تحرير المقالات الأدبية والاجتماعية بجمال باهر. والحقيقة أن مجهود صاحب الترجمة لم يكن قاصراً على الناشئين الذكور ولكنه تخطى إلى البنات الناشئات».

ورغم شواغله المدرسية واهتمامه التربوي دخل ابن هاشم خدمة «صاحبة الجلالة» والمعترك الصحفي وظل يغذي المجتمع بمقالاته الرائعة وقصائده البليغة في مختلف المواضيع.

وكانت أولى جولاته في صحيفة «الإصلاح» (1326 - 1329هـ) بسنغافورة لصاحبها المرحوم كرامة سعيد بلدرم، ثم أصدر ابن هاشم في عام 1332هـ/1914م صحيفتي «البشير» و«الميزان» كما أشرف على صحيفة «الإقبال» بسورابايا (1334هـ - 1339هـ) لصاحبها المرحوم محمد سالم بارجاء. في 1341هـ/1923م تولى رئاسة تحرير صحيفة «حضرموت» بمدينة سورابايا وهي من أرقى الصحف العربية التي تصدر في المهجر الشرقي وأوسعها انتشاراً وكان الأمير شكيب أرسلان والسيد التفتازاني والعلامة الشيخ رباح حسونة الأزهري والعلامة الأستاذ محمد المرشدي يكتبون في هذه الجريدة، ولم تسلم من الضغوط الاستعمارية وتعريض صاحب الامتياز المسؤول السيد عيدروس المشهور مراراً للاستنطاق أمام المدعي العام الهولندي بتهمة تحريض الرأي العام على الاضطرابات وإثارة الكراهية ضد الاستعمار الهولندي.

في عام 1344هـ/1924م ترأس الأستاذ ابن هشام أول بعثة علمية من نوعها من اندونيسيا إلى القاهرة تضم 17 طالباً للالتحاق بجامعات مصر.

لم يتوقف ابن هاشم عن نشاطه السياسي والثقافي فظل يكتب المقالات في صحيفة «وادي النيل» وجريدة «السياسة» ويلقي المحاضرات عن حضرموت ومشاكلها بنادي الموظفين ودار «الرابطة الشرقية».

في سنة 1345هـ عاد إلى حضرموت وأدار مدرسة (جمعية الحق) بتريم وقد أحدث في مناهجها كثيراً من التحديث والتغيير بحيث يتلاءم مع روح العصر فأدخل تدريس العلوم الحديثة والفلك والنشاط المدرسي كالجمعيات الأدبية والصحافة والخطابة والرياضة والأناشيد المدرسية، وهذا ساعد كثيراً في بث الروح الوطنية والطموح والشجاعة الأدبية. من هذه المدرسة تخرج الكثير ممن تحملوا مسؤولية التغيير وقادوا الحركات السياسية وكان منهم علماء وأدباء وأساتذة كبار.

في عام 1355هـ/1936م عين سكرتيراً للجنة الوطنية والشؤون القضائية (سكرتير الدولة) للسلطنة الكثيرية، ولكنه لم يدم طويلاً في هذا المنصب وعاد إلى مجاله الطبيعي في ميادين التأليف والتدريس والتثقيف، فعمل مدرساً بمدرسة الكاف ثم بمدرسة جمعية الإخوة والمعاونة ويلقي المحاضرات بنادي الشبيبة المتحدة بتريم ونادي الإخاء ويكتب المقالات في «الإخاء» مجلة جمعية الإخوة والمعاونة بتريم.

امتاز شعر ابن هاشم بالمتانة والانسجام ولو حفظت أشعاره لكونت ديواناً ضخماً، فيه المراثي والاجتماعيات والوصف والوطنيات.

من مؤلفاته: رحله إلى الثغرين الشحر والمكلا، تاريخ الدولة الكثيرية، شرح (منظومة اليواقيت في فن المواقيت) للعلامة محمد أحمد الشاطري، العامية الحضرمية أو بنت الفصحى (مخطوط)، تاريخ جاوة، دروس الطبيعة، مدارج الإنشاء، الدور الكافي أو الثروة الكافية، النوافع الوردية في تقويم الهند الهولندية.

بعد حياة حافلة بالعطاء توفي معلم الأجيال، شيخ الصحافة الحضرمية محمد بن هاشم بن طاهر العلوي في صفر 1380هـ /أغسطس 1960م بمدينة تريم. قال عنه المؤرخ الأستاذ سعيد عوض باوزير في كتاب (الفكر والثقافة في التاريخ الحضرمي):

«كان من أبرز دعاة التطور في حضرموت وأكثرهم مساهمة في الدعوة إلى النهوض الاجتماعي بفكره وقلمه ولسانه وكل ما يملك من جهد».