المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : النظام اليمني والنظام البعثي وتشابه المنهج والمصير


nabilalkarkhy
04-19-2005, 09:57 PM
النظام اليمني والنظام البعثي وتشابه المنهج والمصير

نبيـل الكرخي
nabilalkarkhy@yahoo.com

يتشابه النظام الحاكم في اليمن مع النظام البعثي المقبور في العراق من جوانب عديدة تتعلق بصيغتهما الشمولية ومنهجهما في تثبيت السلطة لصالحهما مهما أريقت من دماء ، فليس هناك حد للبطش والقمع والإعتقالات والتغييب والتهميش ما دام يصب كل ذلك في مصلحة البقاء في السلطة !
فالواجهة الديمقراطية الممسوخة التي شكّلها النظام اليمني هي مماثلة من حيث الطبيعة لتلك التي كانت عند النظام البعثي ، ديمقراطية لشعب مسلوب الإرادة ، ديمقراطية شكلية ليس لها مصداقية ، ديمقراطية الحزب الحاكم الذي لن يخلى عن السلطة ولو فتك بالشعب كله ولو دمّر البلد كله.
وفي تعامل النظام اليمني مع مكونات الشعب اليمني والإختلافات المذهبية والفكرية التي تميّز هذا الشعب العريق وتساهم في تفعيل دوره الحضاري ، هذه الإختلافات جعلها النظام الحاكم سبباً في شقاء هذا الشعب الأسير ، فالسيطرة الحكومية على المناهج والمدارس الدينية وتطويعها بالشكل الذي يخدم مصالحها ، وهو الأمر الذي يشابه الإشكال الذي وقع فيه النظام البعثي في العراق وهو فصل الدين عن الدولة ، ففي الوقت الذي تسعى فيه الأنظمة الحاكمة إلى فصل الدين عن الدولة نجدها تصر بشكل ملفت للنظر على التدخل في الشؤون الدينية ومحاولة مسخ الإسلام وتقديم نموذج معدّل منه لا يتعارض مع مصالحها تحت ذريعة مكافحة الإرهاب والتطرّف ، فتروّج تلك الأنظمة الحاكمة لمنع الدين من التدخل في السياسة ولكنها تسمح بشكل كبير لتدخل السياسة في الدين وفي الخصوصيات الدينية للمجتمع ، غير آبهة للمسلمين الخاضعين لسيطرتها ، وهو الأمر الذي يخالف التعاليم الإسلامية وكذلك يخالف الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حيث نصت المادة (18) منه على حرية الفكر والدين وحرية إظهار الدين والمعتقد وإقامة الشعائر والتعليم ، ولكن هذا يتم التغاضي عنه من قبل منظمات حقوق الإنسان الدولية بسبب تلاقي المصالح لسياسات الأنظمة الشمولية مع مصالح الدول الغربية والساعية لتحجيم دور الإسلام في حياة المسلمين.
ومن جهة أخرى نجد ان سمة منع الحريات الدينية هي أيضاً من السمات المشتركة بين النظامين اليمني والبعثي ، فمنع إقامة شعائر يوم عاشوراء ومنع الإحتفال بعيد الغدير أو إستشهاد الإمام علي عليه السلام من قبل السلطات اليمنية رغم أن السمة الغالبة على اليمن هو التشيع ، يضاف لذلك توجيه الإعلام الرسمي اليمني للإساءة للفكر الشيعي وتوجيهه ودعم التيارات السلفية للدخول في معركة فكرية ضد التشيع دون أن تسمح للشيعة بالدفاع عن أنفسهم ، كذلك خوض معركة إجتماعية ضد التشيع لتنفير نفوس اليمنيين عنه ، كل تلك السياسات هي مشابهة لما كان عليه الأمر أيام النظام البعثي المقبور في العراق.
وفي نفس الإطار نجد أن وزارة الثقافة والسياحة اليمنية منعت أكثر من مائة عنوان من كتب الفكر الشيعي ، منها نهج البلاغة والصحيفة السجادية ، وهو الأمر الذي يفضح أكذوبة السلطات في دعوتها لفصل الدين عن السياسة ، وإنَّ هذه الدعوة ما هي إلا غطاء للفتك بالشعب اليمني وتغيير تركيبته الإجتماعية تناغماً مع التوجهات الأمريكية ، إذ لا يمكن الربط مطلقاً بين السياسة وبين قراءة الصحيفة السجادية وهي كتاب أدعية لا شأن له بالسياسة أو التحريض على العنف ، فلماذا إذن يتم هذا المنع ؟! والمسلمون في العراق يستذكرون هذا النمط من القمع والعنف الذي كانت تمارسه ضدهم الأجهزة الأمنية للنظام البعثي المقبور.

ومن خلال أستقراء الأحداث التي تجري على الساحة اليمنية ، نجد أن التحليل المجرد للأمور يؤدي إلى القول بان الشيعة في اليمن قد أصيبوا بخسائر كبيرة نتيجة الحرب الحكومية ضد السيد حسين الحوثي في صعدة ، وأن الشيعة قبل هذه الحرب كانوا يتمتعون بميزات كبيرة فقدوها ، تلك الميزات تتمثل في ممارسة النشاط الديني بصورة طبيعية ، وحرية تداول الكتب والتعليم غير الحكومي ، وكان يمكن من خلال التعاون مع الدولة منع حدوث مثل هذا الإنقلاب في سياسة السلطة اليمنية تجاه الشيعة !؟ ولكن هذا الأمر يبدو أنه غير واقعي نظراً للمقدمات الآتية :
ـ إن السلطة اليمنية سمحت للشيعة في ممارسة طقوسهم منذ سنة 1997م وذلك لكي يصبح الشيعة رأس حربة في قمع النشاط السلفي في اليمن والمدعوم من القاعدة والذي تمثل بعدّة عمليات عسكرية ضد القوات والمصالح الأمريكية والغربية منها تفجير السفينة الأمريكية الحربية (كول) في ميناء عدن ، وتفجير السفينة الفرنسية النفطية في أحد موانيء حضرموت وقتل بعض الأطباء الأمريكان في مدينة جبلة ، وقتل عدد من السياح الأمريكيين وخطف عدد من الرعايا الغربيين ، فكان مراد السلطة الحاكمة هو تحجيم النشاط السلفي من خلال تفعيل النشاط الشيعي ، فالأمر لا يعدو كونه لعبة سياسية تمارسها السلطة الحاكمة ، أما الشيعة فلم يكونوا في يوم من الأيام أداة بيد السلطات توجههم كيفما تريد ، ولا يمكن تطويع الشيعة في هذا الإتجاه ، لذلك نجد إصرار السيد حسين الحوثي (رحمه الله) على الهتاف بشعار (الموت لأمريكا والموت لإسرائيل) وعدم التخلي عنه ، والذي ادى لإشعال فتيل الحرب في صعدة ، ومن ثم في لجوء السلطة الحاكمة لعكس سياستها فقامت بتفعيل التيار السلفي من أجل القضاء على الوجود الشيعي ، بعد حرب صعدة.
ـ المشكلة في اليمن لا تتعلق بوجود نشاط سلفي أو وجود نشاط شيعي ، فأطياف الشعب اليمني متعايشة فيما بينها ، والمشكلة تكمن في وجود نظام شمولي مدعوم من الغرب ، فغياب الديمقراطية الحقيقية ، وعدم وجود المشاركة الشعبية في الحكم هو سبب الأزمات السياسية في اليمن
ـ إنَّ التجارب الشيعية المتعددة في الكثير من بقاع الأرض والصراع الطويل الذي خاضه الشيعة ضد السلطات الجائرة وعبر عصور قديمة وحديثة تبين بوضوح أن الفكر والوجود الشيعي مبني أصلاً على التضحية ، كما هو حال عموم الفكر والوجود الإسلامي ، فحيث تكون التضحيات الشيعية ، وحيث تتفاقم مظلومية الشيعة نجد أنَّ عروش الظالمين لا يمكن أن تستقر بعد ذلك الظلم والإضطهاد ، ومن الغريب أن لا تلتفت السلطة الحاكمة في اليمن لهذه القضية مع تشابهه الكبير لهذين النظامين ـ اليمني والبعثي المقبور في العراق ـ فقضية إستشهاد السيد حسين الحوثي (رحمه الله) سوف تبقى مناراً للتضحيات ، وتبقى عنواناً لبذل النفوس والأموال من أجل المقدسات ، وسوف تعمل على تفعيل وإدامة جذوة الثورة ضد الإستبداد في نفوس الشعب اليمني ، كما حدث في إستشهاد السيد محمد باقر الصدر في العراق ، والذي أدى إلى تنامي التيار السياسي الشيعي ، وتنامي الفكر الشيعي وتزايد إقبال المسلمين على التضحيات بالنفس والمال من أجل القضية الحسينية والإسلامية ، وسوف تصبح القضية الحسينية ويوم عاشوراء قضية مركزية في نضال الشعب اليمني يستذكرون من خلالها الإباء الحسيني والوقوف الحسيني بوجه الظلم والظالمين والتضحيات العظيمة التي بذلها الحسين عليه الإسلام من أجل الوجود الإسلامي على الأرض ، وسوف يبقى دم السيد حسين الحوثي صارخاً في أعماق نفوس اليمنيين في كل يوم جمعة (الموت لأمريكا وإسرائيل) ، حتى تستنهض الهمم ويزول الطغيان من اليمن كما زال من قبل من العراق الذي رفع المسلمون فيه شعار : (أبد والله ما ننسى حسيناه) ، فالطغيان البعثي في العراق لم تتمكن أمريكا من إزالته لولا تمسك المسلمون فيه بمنهجهم الرافض للنظام البعثي والمقاوم له ، هذا النظام الدموي الذي أستمر في سفكه لدماء الشعب العراقي حتى تركه الشعب يواجه مصيره لوحده أمام قوات الغزو الأمريكية غير مأسوف عليه ، وفي هذا الصدد يقول شهيد المحراب السيد محمد باقر الحكيم : (لقد صنعوا كل ذلك يريدون القضاء علينا وعلى العراق ومقدرات العراق ويريدون القضاء على الإسلام ومقدرات الإسلام حتى شاء الله تعالى ، شاء الله ماشائت أمريكا ، أقول لكم بوضوح... شاء الله تعالى أن تدور الدائرة فيأتي الأمريكان ويضربون طالبان وهم الذين بنوا طالبان ويأتون ويضربون صدام وهم الذين بنو صدام (( ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين )) ).