المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حرية المعارضة


حبيبي الجنوب
04-27-2005, 01:15 PM
حرية المعارضة
المعارضة كلمة تثير الرعب في نفس من يسمع بها بحيث يحاول السامع الفرار من اسمها فراره من السبع الضاري سواء كان سامعها هو من يمسك بالسلطة (الحاكم)، أم كان من الرعية (المحكوم).
وليس السبب في ذلك سوى الانحراف الذي انحرف به الحكام في رؤيتهم للسلطة بحيث باتوا يعدونها غرضاً وهدفاً يسعون للحصول عليه طمعاً في تحقيق مآربهم فصادروا آراء جميع من يختلف معهم مما اضطرهم إلى سلوك سبل أخرى للتعبير عن آرائهم المعارضة للمتربعين على كراسي السلطة.
فالحاكم إذن يخشى المعارضة خوفاً وحرصاً على كرسيه، والناس يخشون سماع هذه الكلمة خوفاً من المصير الذي ينتظر من يحاول الاقتراب من هذا المفهوم والخوض فيه. وضحايا هذا المفهوم كانوا قد قدموا الدرس الذي يجب على الإنسان ـ بحسب نظرهم ـ أن يتخذ منه العظة والعبرة.
ولكن نظرة خاصة للأمر تنبئ عن أن الأمر ليس بتلك الخطورة التي يصورونها فيما لو نظر إليه بعقلانية.

ضرورة الاختلاف:

إن التركيبة التي خلق الله الإنسان على صورتها تقتضي بطبيعتها الاختلاف، إذ الإنسان وكما هو معروف مركب من العقل والشهوة (الغرائز) وهذه الغرائز لها دور كبير في التحكم بعض الناس ما لم يتمكنوا من تهذيبها وقهرها أي أن الإنسان معرض لارتكاب الأخطاء بل هو كثير الأخطاء إلا من عصم الله تعالى.
فمقتضى ارتكاب الإنسان للخطأ اختلاف الآخرين معه في آرائه، وتفاوت الآراء إنما هو سنة من سنن الله في خلقه وتفاوت العقول يقتضي بالبداهة تفاوت الآراء، فسنة الله جرت في هذا الكون على التعددية.
( ومن كل شيء خلقنا زوجين) الذاريات: 49.
ولا يستثنى من ذلك ـ تفاوت الآراء ـ الحاكم والمحكوم فكل ما في الحياة يدل على التعددية.. ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة، ولكنه وهو يعدهم لحياة لها قيمة.. يتركهم يدركون بقوة العزم والجهد والتفاعل والتجربة الغاية المنشودة من خلقهم ألا وهي الصعود بإنسانيتهم إلى ذروة الكمال الميسور .

تعريف حرية المعارضة :

لقد عرف البعض حرية المعارضة على أنها:
(تمكين الأفراد من معارضة الحكومة في مجالها الخاص نفسه، ليحولوا دون طغيانها) .
إن هذا التعريف على ما فيه من الحسن لا انه لم يشر إلى كون هذه الحرية ـ حرية المعارضة ـ هي حق طبيعي، وإنما يدل على كونها منحة تمنح للفرد من خلال قوله: (تمكين الأفراد من معارضة الحكومة..) في حين أن حرية المعارضة هي حق طبيعي للإنسان، ومنحة إلهية منحت إليه من قبل خالقه في اصل خلقته..

أقسام حرية المعارضة:

لقد ذكر العلماء والفقهاء تحت هذه الحرية أقساما هي:
1. حرية الرأي.
2. حرية الصحافة والطباعة.
3. حرية الاجتماع والتظاهر.
4. حرية تأليف الجمعيات.

حدود حرية المعارضة:

ذكرنا أن حرية المعارضة هي حق طبيعي للفرد يجب على الحكام مراعاته وعدم مصادرته وإلا فسوف يقود تجاوز هذا الحق إلى ما لا يحمد عقباه. والمفروض أن لا يقاس تقدم الدول بما تمتلكه من قوة عسكرية، أو بمقدار ما تمتلكه من السلاح كما هو حاصل اليوم، وإنما يجب أن يقاس بحسب مراعاتها لهذه الحرية.
ولكن هناك سؤال يثار مؤداه، هل أن هذه الحرية بدون حدود أم أن هناك شروط وضوابط يجب على الفرد مراعاتها عند ممارسته لهذه الحرية؟
بدون شك لابد أن تكون هناك ضوابط لحرية المعارضة يجب على من يروم ممارسة حقه الطبيعي هذا أن يراعي تلك الضوابط، وإلا فسوف يقود عدم مراعاتها إلى الفوضى وعدم الاستقرار.
فحرية المعارضة يجب أن تحد بحد مصلحة المجتمع وامنه واستقراره فهذا الاعتبار يجب أن يوضع نصب أعين من يمارسون حقهم. فحرية التظاهر مثلاً لا يجب أن تكون بقوة السلاح، فالسلاح لا يحل المشاكل دائماً وإذا كان مجال لاستخدامه فهو العلاج الأخير للأمر من باب (آخر الدواء الكي).

كما أن حرية تأليف الجمعيات يجب أن يحد باعتبارات الايديولوجية التي يحملها ذلك المجتمع، فمن غير المعقول أن يسمح بتأسيس جمعية للدعارة في مجتمع مسلم تحرم أحكام العقيدة التي يحملها الدعارة، وتضع إزائها أقصى العقوبات.
بعبارة أخرى يجب أن لا يكون الغرض من تأليف الجمعيات تشويه أفكار الناس، ومس مشاعرهم، ونشر ما يخالف أيديولوجياتهم بحجة ممارسة الإنسان حقه في المعارضة.
أضف إلى ذلك اعتبارات الحياة الشخصية للأفراد فهذه يجب أن تكون حائلاً دون تجاوز حرية المعارضة على هذه الحقوق.
فليس من المعقول أن تكون الصحافة أداة لفضح أسرار من يرتبط بأفراد السلطة إذا لم تكن حياتهم تشكل شيئاً يضر بالصالح العام.

أسباب مصادرة حرية المعارضة :

هناك أسباب كثيرة تؤدي إلى قيام الحكام بمصادرة حرية المعارضة نذكر منها:

1ـ جهل الحكام: فالجهل يعد من أهم الأسباب المؤدية إلى مصادرة حرية المعارضة، فإذا جهل الإنسان كون الاختلاف في الرأي أمر طبيعي، وانه ليس مما يفسد الأمور، بل من العوامل التي تدفع بالمجتمعات نحو الخير والصلاح فان ذلك سيقوده حتماً إلى مصادرة حرية المعارضة، وإسكات وكبح من يحاول ممارسة حقه الطبيعي فيها.
2ـ عدم ثقة الحاكم بما يفعل: فلو كان الحاكم واثقاً من أن ما يأتي به من سياسات مبنية على نهج إنساني سليم فانه بلا شك سوف لن يخشى من أية معارضة، لان صحة عمله سوف تدفعه بلا شك إلى استقبال آرائهم واحتوائها من خلال الحوار مع من يعارضه في الرأي مما يؤدي في النهاية إلى تفهم الأسس التي بنى عليها سياسته.
3ـ حب السيطرة: وهذا العامل إنما ينشأ من نقص ذاتي في الحاكم يحاول من خلال مصادرة الحريات أن يغطي على ذلك النقص، وهو من العوامل النفسية، التي تدفع الحاكم إلى عدم تقبل أي رأي يخالف رأيه.

مضار مصادرة حرية المعارضة:

من اخطر الأمور على أمن المجتمعات واستقرارها قيام الحكام بمصادرة حق الأفراد الطبيعي في المعارضة، ولقد نوهنا قبل قليل إلى أن اجراءاً كهذا سوف يؤدي حتماً إلى ما لا يحمد عقباه من النتائج.
فمن الطبيعي أن مراعاة حرية المعارضة سيضفي على المجتمع جواً من الديمقراطية التي تحد من انحراف الحكام مما يؤدي إلى شيوع الأمن والاستقرار في ذلك المجتمع، والحال أن المجتمع المستقر الآمن سيكون أبناءه اكثر قدرة على العطاء من غيره ففسح المجال أمام المعارضة لإبداء رأيها أمام سياسة الدولة سيمتص من غضب المعارضة فتعتاد الأساليب الديمقراطية الهادئة في التعبير عن آرائها.
ولكن خنق صوت المعارضة، ومصادرة حقها في التعبير عن آرائها إزاء السياسة التي تنتهجها الدولة سوف يضطر المعارضة إلى انتهاج الأسلوب السري في العمل وهذا الأسلوب يعد بحق الطامة الكبرى التي منيت بها المجتمعات، والتي باتت تقض مضاجع الحكومات إذ أنها تتوجس خيفة من تلك الأساليب على الدوام.
فالحكام فيما لو أرادوا القضاء على ظواهر سلبية كهذه ـ التجمعات السرية ـ فعليهم أن يفكروا جدياً في إعطاء الشعوب مساحة أوسع للتعبير عن آرائهم، فهذا هو الأسلوب الانجح في القضاء على هذه الظاهرة الشاذة التي لم تلجأ إليها التجمعات إلا عندما فقدت الأمل في إمكانية التعبير عن آرائها علناً.
وربما تخطت الحالة دور التعبير عن الرأي فقد تسعى تلك التجمعات ـ جراء التجاهل المستمر حيالها من قبل الحكومات ـ إلى انتهاج أسلوب العنف للتعبير عن سخطها وامتعاظها إزاء سياسة معينة للحكومة، أو بهدف لفت الأنظار إليها، وعصرنا شاهد حي على مثل هذه الأمور.
إذن على الحكومات ألا تدفع المعارضين إلى انتهاج الأسلوب السري في العمل فيكون وبال على الشعب فهو المتضرر الذي يدفع ضريبة ذلك من أمنه واستقراره ولربما من أفراده.

بين الديمقراطية وحرية المعارضة:

هناك تلازم وثيق بين الديمقراطية وحرية المعارضة. فكلما كان هناك نظام ديمقراطي حقاً ـ لا يرفع الديمقراطية شعاراً فقط ـ كلما نمت حرية المعارضة وترعرعت وانتعشت، وذلك أن الديمقراطية ـ وكما هو معروف ـ نظام للحكم يقوم على إشراك الشعب في حكم الشعب. الذي يعني عدم الاستبداد بالسلطة والتفرد بها من قبل فرد أو أفراد معينين متجاهلين تماماً آراء الآخرين بل وجود الآخرين أساسا.
وعلى العكس من ذلك أي انه كلما كان نظام الحكم نظاماً دكتاتورياً متسلطاً لا يعير لآراء الآخرين اهتماماً يذكر كلما تضاءل دور المعارضة إلى أن يصل إلى أعتى حد في ظل أعلى الأنظمة الديكتاتورية، واشدها قسوة.

الحرية الصورية في ظل الديكتاتورية:

يمكن للإنسان أن يخلص مما تقوم به الأنظمة الديكتاتورية من ممارسات شكلية صورية لإظهار ما تحويه أنظمتهم من رعاية للمعارضة وآراءها إلى نتيجة وهي صحة حرية المعارضة، وشرعية ممارستها مما يكشف من يهرع مولياً عند سماعة كلمة (معارضة) خائفاً من العواقب الوخيمة التي تترتب على السعي نحو هذه الكلمة.
فلو كانت حرية المعارضة من الأمور التي يصح للإنسان التنازل عنها في كل أموره وشؤونه بما في ذلك الأمور السياسية، والتي يقاس على مراعاتها تطور الدول والحكومات لما ألفيت الأنظمة الديكتاتورية تحرص على إضفاء الصبغة الديمقراطية على سلطتها من خلال الممارسات الشكلية للمعارضة المصطنعة في إبداء اعتراضاتها.
وعليه نقول إن حرية المعارضة حق طبيعي للإنسان منحه الله إليه وليس للحكام دور في منح هذا الحق له وإن يكن للأنظمة دور في الأمر فإنما هو من قبيل مراعاة هذا الحق الموجود للإنسان أصلا، لا مصادرته.
أرجو أني قد أجبت على سؤالك أخي
حبيبي الجنوب

صوت الجنوب
04-27-2005, 02:50 PM
الأخ الكريم حبيبي الجنوب
آهلا وسهلاً بكم
لقد افتقدنالكم كثيراً وقد حاولنا الاتصال بكم عبر البريد إليكتروني آلا أن الرسالة رجعه ألينا وكما يبدو آن هناك خطا بالبريد أن أمكن مراسلتنا عبر بريد الموقع للتأكد منه .
نشد على أيديكم في مواصلة السير قدماً ومعاً نحو استقلال الجنوب وبناء دولته المستقلة.
صوت الجنوب

شعيفان
04-27-2005, 04:37 PM
الرسالة الأصلية كتبت بواسطة حبيبي الجنوب


أسلوب أكاديمي رائع
لا نملك الا ان نقف منبهرين
امام هذا الابداع في الكتابة وهذا التمكن
في البلاغة



الاخ الحبيب
"حبيبي الجنوب"
نحن ممتنون لكم
على اثراء المنتدى
بمقالاتكم الرائعة

وكنا قد افتقدناكم بحق
مادفعنا لاعادة بعض مقالاتكم للواجهة
عرفاناً بصنيعكم واقتناعاً وايماناً
بماسطرته يداكم


ومرحباً بكم مجدداً