المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عناد القمة وصبر الإنسان .. يافع.. ناطحات السحاب الحجرية وعيون الماء الشحيحة


nsr
04-27-2012, 10:40 PM
كتبها صبر - SBR ([فقط الأعضاء المسجلين والمفعلين يمكنهم رؤية الوصلات])

الجمعة, 06 أبريل 2007 23:55


صوت الجنوب 2007-04-07 / عبدالقوي الاشول
وأنت تصافح القمة.. تستعيد تعب الطريق ،لا بل تستعيد تلك المعركة التي لم تنته مع صخور الوادي وحوافيه المسيجة بارتفاعات الجبال الشاهقة وسلسلتها العنيدة ذات
اللون الواحد.. الصخور التي منها يستمدون مكونات لوحاتهم المعمارية أو هي ناطحات السحاب الحجرية. (العسكرية) النقطة التي تقودك طريقها إلى جوف الجبال والشعاب والمرتفعات.. حيث تطالعك أسرار وعجائب كثيرة.


[فقط الأعضاء المسجلين والمفعلين يمكنهم رؤية الوصلات]

عبق رائحة أزهار البن في وهاد يهر وحوافي (وادي ضيك) على ما في جنبات الوادي من شح الطبيعة إذ لا تتعدى المساحات المزروعة حجم ما هو متاح من الأرض أو ما بقي على (مدارب) السيل الجارف الذي يشق طريقه أو يأخذ سبيله إلى المنحدرات. واحات في أكناف الجبل بعطر البن بجمال عناقيده التي تبدو كشذرات الذهب قبل أن تتحول إلى الأحمر القاني عند النضوج. واحات مخملية تخفي ما في الصخر من قسوة وما في البشر من عزيمة وقدرة حين يحاورون صلادة الصخر الأصم وترسم أناملهم على أرجاء الأودية الضيقة تلك القصور العالية بملامح تراثية قلما تجد من يحيد عنها وهي صفة تحسب لهؤلاء القوم. الطريق إلى القمة لابد أن يمر بوادي (يهر) أو ما ترك السيل في جوانبه من شطائر الأرض.. تتدرج بعدئذ في الارتفاع بين واديي (الشجي) و(سلفه) وهذه الأخيرة أكثر ما تعرف أرضها بوفرة محصول البن. و(الهجر) ونقيل (الخلا) الذي تشرف من شرفته العتيدة على جبل (اليزيدي) وسوق (لبعوس) ومنازل (آل صلاح) المنيفة بكل ما عرف عن هؤلاء من توارث عجيب لفن المعمار المنسوبة صنعته إليهم منذ القدم.

(لبعوس) كانت الطريق إليها قبل حين شاقة للغاية لكنها في الآونة الأخيرة حظيت بقدر من طريق اسفلتي فرعي يمتد من (العسكرية) وصولاً إلى (لبعوس). ومع ما وفر هذا البساط الأفعواني الأسفلتي من التعب والمشقة التي كان يكابدها الأهالي.. إلا إنه لم يلغ صفة التعب ناهيك عن أخطاره القاتلة نظراً لتلك الولادة المتعسرة التي لازمت تنفيذه.. ما جعله يحتل موقع الصدارة من حيث الضيق والخطورة وإياك وأنت تقود سيارتك عبره أن يذهب منك التركيز طرفة عين.. ولا أدري لماذا تم اعتماد مثل هذا الطريق الفرعي الذي يقود في نهاية المطاف إلى مدينة لبعوس الواسعة وأجزاء يافع الكبيرة من حيث عدد السكان.

ثم أن مدينة حضرية مثل (لبعوس) ينبغي لها أن تحظى بمشروع طريق عصرية ناهيك عن ضرورة التخطيط الحضري لتوسعها المعماري الرأسي والأفقي وأهمية أن تحظى بمشروعات خدمية.. كالمجاري التي تعد مهمة لنظافة البيئة وكذا المياه والكهرباء والخدمات الصحية والتعليمية.

فكم أدهشتني صورة الأكف المتفرعة إلى مزن السماء في تلك المرتفعات، أما عندما يكون المطر فإنك تجد تلك الأكف الرقيقة بما فيها أكف النساء ممن يعنين بحفظ غيث السماء في كنف خزانات أعدت بعناية لهذه الغاية فبعد أن تتلقف سطوح منازلهم هطل المزن تسري جداوله الصغيرة إلى تلك الخزانات التي هي جزء من مكونات قلاعهم الحصينة.. صورة المطر الذي تتكشف أثره أعجب ناطحات السحاب الحجرية في يافع أما أعجبها وأكثرها ارتفاعاً فتلك التي تعود لديار (آل بن صلاح) رواد فن المعمار في يافع.. فهي بحسب قول الشاعر:

منازلها وكور النسر تهوى فوقها النجمة وتلثمها لتتركها على أوتارنا نغمة

ذراً بالعين ترشفها وتدعو للثمة اللثمة ذراً كتتابع الألحان في إلياذة ضخمة



[فقط الأعضاء المسجلين والمفعلين يمكنهم رؤية الوصلات]

فما أعجب هؤلاء القوم وأشدهم.. دروب هجرتهم لم تنقطع وحنين الشوق للديار المنيفة التي ترضع الغيوم عند كل مساء.. دروب تبدو قدراً قسرياً لا فكاك منه عند هؤلاء..

فمن أصقاع الأرض يشدهم الشوق إلى يافع لهوائها العليل ومائها النمير الممزوج بعرق أكف الزوجات والأمهات والأخوات في سروهن العريق.

فحقاً من نتوءات الصخور الصلدة تنبجس أكمام الزهر وتتفجر ينابيع الماء بل وينبثق الرجال.

فكم أنت غنية أيتها الأرض وكم جدت أيتها الأمهات بثمار الرجال.. يافع ليس للوصف نهاية.. فجنبات الوادي والجبل مازالت تحكي أسطورة عشق الأرض.. وكفاح الإنسان فهناك على قمم (اليزيدي والجبل لعلي ديار آل حمزة والحد) مازالت حكاية جبل يافع بها من الغنى والتنوع.. الكثير.

فسلاماً لك أيتها الديار العامرة بالحياة المشرقة بالأمل والعطاء والصبر وإعجاز ما تصنعه الهمم.


عن الايام ([فقط الأعضاء المسجلين والمفعلين يمكنهم رؤية الوصلات])