المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الجنـوب العربي: اللقمـة القـاتلـة (بقلم باتريك جريكر)


روابي الجنوب
02-03-2013, 06:39 AM
الجنـوب العربي: اللقمـة القـاتلـة
باتريك كريـجر (عرض: إدريس فضل عبدالله) / الاحد/3/2/2013م

عرض: إدريس فضل عبدالله

"السياسي برس "على خلفية ٍ تزينها خريطة
الجنوب العربي كـُـتب إسم الكتاب: اللقمة القاتلة.

ذلك هو الكتاب الذي يتهيأ الكاتب البريطاني
باتريك كريجر لإصداره قريبا عن الجنوب العربي
وثورة شعبه .. عن الحراك الجنوبي ودوره في
العملية السياسية في اليمن.



بداية لابد من القول إنه خلافا لكثير من
السياسيين اليمنيين الذين ناهضوا انتفاضة
شعبنا الجنوبي وشنوا حربا شعواء وحملة قمع
سياسي وفكري ضد حراكه السلمي ، ووصموا قادة
الحراك بالخيانة والانفصال ، كان الكاتب البريطاني
كريجر يرى منذ وقت مبكر في الثورة الجنوبية العامل
الرئيس الذي يضع جدول العمل السياسي في اليمن ،
كما أدرك بنظرته الموضوعية الثاقبة أن حراكنا الجنوبي
سيغدو القوة التي ترسم معالم خارطة الطريق وتحدد
مآل المستقبل السياسي في الجمهورية اليمنية
وهو ماأثبتت الأيام صحته وبات حقيقة واقعة.




كانت تلك الرؤية واضحة من عنوان مقالته الأولى
عن الحراك الجنوبي "عـدن تفرض إيقاع الحياة
السياسية في اليمن" والتي نشرتها له صحيفة
الوسط اليمنية بتاريخ 24 مارس 2008 أي بعد
حوالي تسعه أشهر من انطلاق حراكنا السلمي
في يوليو 2007.



من يومها استطاع البريطاني كريجر أن يقرأ دور
الحراك الجنوبي على الساحة السياسية ، فقد كتب
في مقالته الآنفة الذكر يقول إن القضية الجنوبية "
تجاوزت في غضون عام واحد نطاقها الجنوبي وأخذت
تفرض نفسها بشدة متعاظمة على خارطة البلد وتشكل
ملامح الوضع السياسي الجديد في اليمن." ويتلمس
السيد كريجر أثر الحراك الجنوبي على الوضع في اليمن
، والدروس التي يتلقاها منه الشباب في صنعاء وتعز و
غيرهما من المدن ، وذلك طبعا قبل انطلاقة الربيع العربي
بسنوات ، فيقول: " لقد حركت احتجاجات الجنوبيين المياه
الآسنة في الشمال فانطلقت الاحتجاجات والاعتصامات
في شتى المحافظات مطالبة بتغييرات جدية في
سياسات ونظم الحكم." ويخلص الكاتب في
تحليله المبكرجدا لتأثير الحراك الجنوبي على
النظام في اليمن بقوله: "وهكذا أصبح
النظام في صنعاء يدرك يوما بعد
يوم أن الوحدة مع الجنوب
لم تكن بالنزهة الممتعة."



ويعرض الكاتب للورطة التي وقع فيها نظام
صنعاء بالتوحّـد مع الجنوب فيقول: "إن النظام
أضحى غير قادر على الاستمرار في حكم الجنوب
بالطريقة التي يحكم بها وأن من شأن الإصرار على
ذلك فقدان الجنوب بما يحتويه من خيرات تغذي شريان
حياة النظام ، كما أنه غير قادر على فك عرى الوحدة والعودة
الى ماقبل 22 مايو 1990." ثم يخلص الى القول إنه "كلما
اشتـدت حركة الاحتجاجات الشعبية الجنوبية كلما رجع صداها
من المحافظات الشمالية وازداد عجز الحكم عن فرض الأمن
وبسط النظام وانتشرت الفوضى وأخذ القلق يتضاعف
لدى المجتمع الدولي من انعدام الأمن والاستقرار
في هذه المنطقة الحيوية والمهمة للأمن العالمي
مايجعله ملزما بفتح ملفات هذا البلد ومساعدة
شعبه على تحقيق تطلعاته في حياة
مدنية عصرية سعيدة."




في مقالته الثانية بعنوان " القضية الجنوبية : جوهرها ودورها
في الصراع السياسي في اليمن" التي نشرت بعد عام من
تاريخ مقالته الأولى ، يشير الباحث كريجرالى أن القضية
الجنوبية قطعت خلال هذا الوقت شوطا بعيدا وحققت
قفزات هائلة وسريعة على صعيد الالتفاف الجماهيري
وتوحد قياداتها حول مطلب سياسي رئيس ،
ألا وهو الاستقلال عن نظام الجمهورية العربية
اليمنية واستعادة الدولة الجنوبية ، ماعزز وضعها
على الخارطة السياسية وكرس دورها في
رسم جدول الاعمال السياسي في اليمن.




ويرصد كريجر تأثير الحراك الجنوبي على نظام
صنعاء فيرى أن القضية الجنوبية أصبحت تمث
ل العنوان الأبرز لأزمة النظام والتحدي الأكبر
أمام المؤسسة السياسية في الحكم والمعارضة
على السواء. ويرى كريجر أن القضية الجنوبية
تسببت في إحداث هزة عنيفة لصناع القرار السياسي
أدخلتهم في حالة اختلال التوازن وباتـوا غير قادرين
على مسايرة إيقاع الحراك وانتقاله
السريع من طور الى طور.




ويؤكد كريجر أن سياسة التهميش والتجاهل
والتعتيم التي مارسها النظام ضد الحراك الجنوبي
، ثم اتباعه أساليب القمع والتنكيل والقتل بدم بارد
ضد أبناء الجنوب ، كل ذلك لم يفت ّ في عضد الحراك ،
بل تسارعت وتيرته واتسعت رقعته وتصاعدت مطالبه
ماجعل النظام يدرك أنه قد "فتح على نفسه بابا
واسعا من الاحتجاجات الشعبية لم يكن
يتوقعها حتى في أسوأ كوابيسـه"
على حد وصف الكاتب.




وأمام هذا الضغط الجنوبي الهائل يرى كريجر أن
النظام اضطر لإحناء رأسـه وأقدم على تنفيذ
واحدة من أهم خطوات الاصلاح السياسي التي
ظل يرفضها منذ قيام دولة الوحدة ، ألا وهي انتخاب
المحافظين في عموم الجمهورية لعل ذلك يكون
مرضيا للجنوبيين ، يمتص غضبهم ، ويهدئ
ثورتهم إذ يتمتعون بحكام لمحافظاتهم
من أبناء جلدتهم.



كما يرى كريجر أن التحدي الخطير الذي واجهه
النظام جراء انتفاضة الشعب الجنوبي قد ظهر
جليا حين اضطر الى تأجيل الانتخابات النيابية التي
كانت مقررة في إبريل 2009 لمدة عامين. وهذا في
نظر الكاتب كان إعلانا صريحا فهم منه العالم الخارجي أن
نظام صنعاء يعاني أزمة سياسية عميقة بات معها غير
قادر على القيام بوظائفـه مع
الالتزام يالخيار الديمقراطي.



تأسيـسا على هذه الرؤية التحليلية والاستشراف
المبكر لدور الحراك الجنوبي في الصراع السياسي
في اليمن ، وتأثيره المدمرعلى مستقبل نظام
صنعاء العسكري القبلي ، يتوقف باتريك كريج
ر في كتابه " الجنوب العربي – اللقمة القاتلة" عند
العقود الأولى لقيـام المملكة المتوكلية
في اليمن عقب هزيمة
الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى
وخروج الأتراك من اليمن عام 1918.


تحت راية الإمامة تزحـف جيوش قبائل حاشـد
وبكيـل صـوب مايسمـى باليمن الأسفـل
التي تشمـل ألوية إب وتعـز والتهائم لتشـن
حربا ضروسـا ضـد سكان هذه المناطق ، فتكتسـح
المـدن وتدمـر المنازل فوق رؤوس ساكنيها
، وتبث الخوف وتنشـر الفـزع ، وتقتـلع مشـائخ
ووجاهات المنطقـة وتجعل أعزة أهلها أذلـة.


يبحث الكاتب عن أسباب تلك الحروب في كتابات
مؤرخي دولة الإمام وأمرائه ، فلا يعثر على سب
ب وجيه يفسر شن تلك الحروب لاسيما وأن مشـائخ
وأعيان تلك البلاد جميعها قد أعلنوا ولاءهم للإمام
ولم يظهروا شكلا من أشكال التمرد أو وجها من
أوجه العصيان ، بل تجشموا مشاق الانتقال
الى صنعاء للوقوف في الحضرة "الشريفة"
وإظهار الخضوع والطاعة للإمام يحي
حميد الدين منذ الأيام الأولى
لتأسيس الدولة.



كما ينقب الكاتب في ركام كتابات ذلك العص
رفلا يجد سوى توظيف مقيت للدين لإضفاء سمة
القداسة على تلك الحروب من خلال وصفها "بالغزوات"
مثل غزوة "حبيش" و"غزوة فتح تعز" ، و"غزوة المقاطرة"
، كما أن جيوش "الفتح" من قبائل حاشد وبكيل هم
"المجاهدون" أما أبناء اليمن الأسفل المدافعون عن
بلادهم أمام هذه الهجمة القبلية الطائفية فهم
الفئة الباغية المارقة. ويمضي الكاتب متأملا
في نتائج تلك الحروب فلا يجد سوى السيطرة


على هذه المناطق التي جرى "فتحها"،
والهيمنة عليها ، ونهب ماتنعم به من ثروات
زراعية وحيوانية ومنافذ بحرية ، وإخضاع أهلها للقيام
بأعمال السخرة لصالح المتنفذين القادمين من مناطق
اليمن الأعلى من أميراللواء ومساعديه وأركان حكمـه من قادة
عسكريين وعمال قضوات وعمال نواحي وحكام شرع ومدراء
مال ومدراء أمن ومدراء جمارك وغيرهم الكثيرمن جيش
البطش والنهب في هيئة موظفي دولة في كل قضاء
وناحية ومدينة وعزلة ، وكذا المشائخ من قبائل
حاشد وبكيل الذين جرى نقلهم من مناطقهم
الجبلية وتوطينهم في الأرض الجديدة الخضراء
واقتطاع مساحات من الأراضي الزراعية لصالحهم
، وفرض تسلطهم على المزارعين ونهب مابأيدي
الرعيّة بطرق شـتى وأساليب مختلفة ومتنوعة.




ولم تتوقف المطامع القبلية الطائفية عند
حدود غزو تلك المناطق من اليمن الأسفل
بل ظل زعماء ومشائخ حاشد وبكيل يتطلعون
للسيطرة على الجنوب العربي إذ يعتبرونه فرعا
من أملاكهم لابد من استرداده والاستحواذ على
مايزخر به من ثروات. وقد سلط كريجرالضوء في كتاباته
السابقة وخاصة في مقالته "القضية الجنوبية ..
جوهرها ودورها في الصراع السياسي" على نزعة
التسلط والهيمنة المترسخة لدى حكام الشمال تجاه
الجنوب ، وأبرز ، استنادا الى مذكراتهم
، أن القيادات العسكرية والقبلية في اليمن
والتي غدت تمسك بزمام السلطة في العهد
الجمهوري ، لم تكن لتقـرّ أو تعترف باستقلال الجنو
ب في دولة مستقلة عقب جلاء الاستعمار البريطاني
عام 1967 ، وإنما وجدت نفسها مضطرة لذلك
بسبب ظروف الحرب التي كانت
تخوضها مع الملكيين.



ولهذا فهو يخلص في كتابه المتوقع صدوره
قريبا الى أن حرب 1994 التي شنها الشمال ضد
الجنوب كانت في حقيقة الأمرالتجسيد العملي لتلك
الرؤية العدوانية التوسعية المستحكمة في عقول
"أهل الحل والعقد" في الشمال، وأن الهدف الرئيس
لتك الحرب استكمال سيطرة قبائل حاشد
وبكيل على كافة مناطق اليمن الأسفل
الذي يعتبرون الجنوب جزءا منه.



لكن كريجر يرى أن نظام صنعاء قد ارتكب خطأ
قاتلا حين أقدم على غزو الجنوب واحتلاله في حر
ب 1994. ويبحث الكاتب في العوامل التي شجعت
نظام صنعاء على ارتكاب ذلك الخطأ الفاحش منها
التفكك الذي أصاب النظام الجنوبي جراء صراعاته
الداخلية وآخرها كارثة يناير 1986 ، وانتقال قسم
فاعل من الجيش الجنوبي الى الشمال ، ثم
انهيار المنظومة الاشتراكية التي كانت تسند نظام عدن ،
وماتراءى لحكام صنعاء من ضعف المجتمع الجنوبي
وتشتت قواه الفاعلة ، ناهيك عن سعيهم المحموم
لبث الكراهية ، ونشر الضغينة ، واشعال نار الفتنة
بين أطياف المجتمع الجنوبي لإضعافه أكثر فأكثر
تمهيدا للانقضاض عليه وافتراسه.



نظرحكام ومشائخ الفيد الى العدد السكاني الضئيل
لشعب الجنوب فظنوا اللقمة سهلة ً على البلع قد
لاتكلفهم حتى عناء مضغها. ولكن ماإن سقطت اللقمة
في فم النظام وأراد بلعها حتى اعترضت في حلقه ولم
تنزل ، فكظمته وسدّت عليه أنفاسه وصار يتخبط كمن
به مـسّ من حال الى حال ، ومن محنة الى محنة ، ومن
أزمة الى أزمة ، حتى تفجّـر، وتقاتلت أطرافه ،
وتفككت أوصاله ، وخرّ صريعا ، وكانت
تلك لقمته القاتلة.



نظام صنعاء عمل على استثمار تاريخ الصراعات
السياسية والاجتماعية في الجنوب لتحقيق مآربه
ومطامعه في تلك البلاد ، ولكن كان ذلك غلطته التي
أودت به الى المهالك. فما إن انقضى عقد على حرب
1994 حتى بدأت القوى الفاعلة في الجنوب تتدارس السبل
الكفيلة باسترداد كرامتها وسيادتها الوطنية على أرضها ،
واستعادة ثرواتها من أيدي الغزاة القادمين من القبائل
الشمالية ، وبناء حياة كريمة لأبنائها. وفي هذا السياق
يتوقف الكاتب أمام محطات مهمة لايمكن تجاوزها مث
ل اجتماع التصالح والتسامح في جميعة أبناء
ردفان 2006 ثم انطلاقة الاحتجاجات
الشعبية المنظمة في 7/7/2007.



واستنادا الى مادة وثائقية غنية يظهر كريجر أن
نظام صنعاء العسكري القبلي أضحى يواجه لأول
مرة في تاريخه شعبا مسلحا بقدر ٍعال ٍ من الوعي
لحقوقه ، متمسكا بسيادته على أرضه ، متشبثا
بحقه المشروع في إدارة بلاده ، رافضا لأية سيطر
ة قبلية طائفية على مقدراته ، مسنودا بتجربة
نضالية وبناء وطني وثقافة مدنية راقية يستمد
منها العزم والارادة لمقاومة قبائل الفيد والنهب التي
زحفت تنهب أرضه وتستولي على مقدراتها مع
نزعة لاتخفى للقضاء على تاريخه
الوطني ومحو هويته.




وما إن انقضى شيء من الوقت حتى بدأ نظام
صنعاء يشعر أن الوحدة مع الجنوب كانت مكلفة
جدا أكثر مما كان يتوقع. فقد تحولت اللقمة التي
طمع في الاستيلاء عليها الى نقمة أتت على النظام
وفجرته بكامله. لقد اقتضت الوحدة مع الجنوب الالتزام
بالنظام الديمقراطي الذي سرعان ماتحول عام 1999 الى
انتخاب مباشر لرئيس الدولة من الشعب. والحال أن قبائل
حاشد وبكيل تمثل أقلية وسط الشعب اليمني مايعني
أن أي انتخابات نزيهة ستؤدي حتما الى سحب منصب
الرئيس من يد هذه القبائل وانهاء احتكارها لهذا
المنصب السيادي ربما الى الأبد ، بل إن هذا
قد حصل فعلا في انتخابات 2006 بتأكيد اللواء
علي محسن الأحمر الذي اعترف أن الحضرمي
فيصل بن شملان حصد أغلب
الأصوات في تلك الانتخابات.



حركة الاحتجاجات الجنوبية السلمية وتضحيات
شباب الجنوب ضربت نظام صنعاء في عصب ٍ مهم
من مراكز سيطرته حيث كسرت حاجز الخوف والرعب
لدى الجماهير في مواجهة آلته القمعية ، وأجهزته البوليسية
، فـشهد اليمن انطلاق حراك المنطقة الوسطى
، والحراك التهامي وغيرهما من الاحتجاجات
الشعبية التي يكمن مضمونها في المطالبة
بالحياة المدنية والمواطنة المتساوية والحكم المحلي
، وهو مايصيب في مقتل السلطة الطائفية المطلقة
التي فرضها نظام صنعاء على سائر هذه
البلاد على مدى قرن كامل من الزمان.



الربط المحكم الذي يقوم به باتريك كريجر بين
عناصر المشهد السياسي المختلفة لايترك لنا
مجالا سوى التسليم بأن وحدة صنعاء مع عدن مثلت
تاريخيا لحظة إعلان أفول النظام القبلي وزوال
السيطرة الطائفية في اليمن ،
وبزوغ فجر يوم جـديد.



حقا ً .. سيسجل التاريخ أن الجنوب كان اللقمة
القاتلة التي أتت على النظام العسكري القبلي
الطائفي في اليمن وشيعته الى مثواه الأخير.



20 يناير 2013

[فقط الأعضاء المسجلين والمفعلين يمكنهم رؤية الوصلات]