المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عدن الأمس واليوم


شعيفان
01-04-2005, 02:16 PM
عدن الأمس واليوم



بقلم : نادرة عبد القدوس

صحفية يمنية
مع التحفظ على بعض ماجاء فيه



"..... المدينة المسالمة "عدن" ....هي مدينة ليست كأي مدينة يمنية ولم تكن كذلك منذ نشأتها منذ أكثر من ثلاثة آلاف عام . فعدن التي اختلف الباحثون والرحالة والمؤرخون على مر العصور حول معنى تسميتها، كانت ولازالت وستظل "عين اليمن " كما وصفها العرب قديماً، وملتقى الحضارات والثقافات العالمية والأرض التي لم يلد رحمها بعد أسراراً مكنونة.



ووصفت عدن كذلك بـ"حسناء الشرق" و"ثغر اليمن المحروس" و"لؤلؤة البحرين" (ويقصد به البحر العربي والبحر الأحمر). وكثيرة هي الأوصاف التي أطلقها الرحالة عليها منذ القدم، إلا أنها ستظل الموقع الذي ما ينفكّ يودّ العيش فيه كل من يزوره ويودّ لو يعود إليه إذا ما حالت الظروف دون ذلك، لذا فهي سميت عدناً، إذ كانت فيها " أماكن للمياه العذبة وفيها مرسى للسفن وميناء يقع على مدخل خليج حيث تلتقي سفن الهند بسفن مصر ويلتقي فيها تجار الشرق والغرب، وأطلق على هذه المدينة ما أصبح يطلق على اليمن جميعه " العربية السعيدة".



عدن التي تكالبت عليها قوى الاستعمار منذ أول محاولة لاحتلالها سنة 24ق م من قِبَل الرومان، حتى خروج الإنجليز منها في 30 نوفمبر 1967م، بعد احتلال دام زهاء 128 عاماً، لا زال إنسانها يبحث عن السلام والخير والحب.





الحراك الثقافي في عدن إبان الاحتلال البريطاني



تأثر أبناء عدن بالثقافات الوافدة من الخارج، وبالذات بالثقافتين الهندية والمصرية، وكانوا يُقبِلون عليهما بحب وبشغف كبيرين. وبدأت السينما تظهر في عدن في ثلاثينيات القرن العشرين بمبادرة من عدد من أبناء عدن وعدد من أبناء الجاليات الأجنبية، فتعرف الناس على الأفلام الهندية والإنجليزية والمصرية. كما اكتسحت الكتب المختلفة العناوين والمجلات والصحف العربية، وبالذات المصرية، الأسواق. وكان ذلك بمثابة النافذة التي يطل الناس من خلالها على العالم الخارجي. ثم ظهرت بعد ذلك الصحف والمجلات العدنية وطبعت الكتب المحلية وبرز رهط من الكتاب والصحفيين والمفكرين اليمنيين من أبناء عدن الأصليين، ومن أبناء مدن اليمن المختلفة، الذين وجدوا في عدن الحضنَ الدافئ والصدرَ الواسع. وكانت أول صحيفة يومية عدنية باللغة العربية صدرت في الأول من يناير 1940م، وهي" فتاة الجزيرة"، أحدثت ثورة في عالم الصحافة اليمنية ، فقد فتحت المجال أمام الكثير من أبناء البلاد المثقفين لإصدار الصحف والمجلات مختلفة المشارب السياسية والاجتماعية والثقافية والدينية. الجدير ذكره أن النوادي والجمعيات الثقافية والأدبية والدينية كانت قد ظهرت في عشرينيات القرن العشرين وكانت لعبت دوراً هاماً في إذكاء الروح الوطنية وبث الوعي بين صفوف الشباب العدني.



وفي تلك الحقبة أيضاً واتت الفرصة أبناء عدد من الأسر الميسورة الحال للدراسة في الخارج وهم الذين عادوا ليدقوا مداميك العلم والمعرفة والتنوير في المدينة ، وبرزت أسماء كثيرة منهم كانت لها سبق الريادة في التوعية السياسية والثقافية والتعليمية. وكان للمرأة العدنية دور بارز أيضا في هذا المضمار. فهناك أول فتاة فتحت مدرسة في بيتها للبنين والبنات عام 1937 م وهي نور حيدر، وكانت في الثانية عشرة من عمرها، بعد تلقيها العلم من والدها المربي والذي تعلم على يديه خيرة أبناء عدن وأصبحوا ذوي شأن في اليمن كله في الميادين الأدبية والسياسية والثقافية الخ.. وقد توفاها الله بعد معاناة من المرض والشيخوخة منذ بضعة سنوات دون أن يلتفت إليها أحد. أما مدرستها الأولى التي أسستها استكثرت السلطتان، السابقة قبل الوحدة اليمنية والحالية، إطلاق اسمها عليها!! وهناك أول سيدة يمنية أصدرت أول مجلة تعنى بشئون المرأة والأسرة على مستوى اليمن والجزيرة والخليج العربي والمغرب العربي وهي السيدة ماهية نجيب وأسمت المجلة " فتاة شمسان" وذلك في الأول من يناير 1960 م، لتستمر حتى العام 1966 م.



فتحت عدن أحضانها لأبناء شمال اليمن الفارين من الطاغية الإمام يحي بن حميد الدين ، واستقبلهم أبناء عدن بكل حب وتقدير. وكانت الحركة الوطنية قد ترعرعت بولادة أحزاب سياسية شتى، وبالذات بعد إنشاء مصافي الزيت البريطانية في عدن عام 1954 م. كما أحب أبناء عدن الوافدين إلى أرضهم من مختلف البلدان والمنتسبين إلى ديانات مختلفة، ولم تعرف عدن قط التناحر الديني أو الطائفي طوال تاريخها. فاليهود كانوا جيراناً للمسلمين في أحياء سكنية واحدة، وكذا بالنسبة للمسيحيين. وهذا ما شجع هؤلاء بتشييد دور العبادة الخاصة بهم، حتى الفرس والهندوس كانت لهم مطلق الحرية في ذلك. ولا زالت الشواهد ماثلة أمامنا.



وهناك مع الأسف من يريد اليوم أن يدك هذه الشواهد التي تعد جزءً من تاريخ عدن. ولا يقتصر الأمر عند الديانات الأخرى، بل إن عدداً من المساجد القديمة، والتي يعود بناؤها إلى عهد الخليفة عثمان بن عفان وما بعده، هُدِمَت لتبنى على أنقاضها مساجد أخرى بتصميم هندسي معاصر بحجة الترميم. ولكن تستبطن هذه الأعمال حقيقة مُرة وهي بناء محال تجارية أسفل هذه المساجد، وهذا هو التعليل الصائب لهدم المساجد، وعدد من المساجد لم يعد بناؤها حتى اليوم منذ هدّها قبل عشر سنوات تقريباً، أي بعيد الحرب الأهلية في البلاد.



ولم يرتفع معول الهدم على دور العبادة بل شمل كذلك الجبال والتلال المحيطة بالمدينة والتي تشكل سياجاً آمناً لها أبدعها الخالق. وقد حذر العلماء من هدم الجبال بغرض بناء وتشييد مبانٍ على أنقاضها لأن في ذلك خطورة على المدينة التي تقع وسط فوهة بركان خامد. ولم تسلم البحار من الردم، فهذا ساحل "أبين" الطويل، والذي يربط عدن بالمدن الساحلية إلى جهة الشرق، بُنِيت على رماله السمراء "الفل" والقرى السياحية!! بدلاً من تسخيرها لرفاهية الناس البسطاء الباحثين عن أماكن للراحة والاستجمام واستنشاق رائحة البحر كما كانوا يفعلون طوال حياتهم، فما عدن إلا ناس و جبال وبحر.