عرض مشاركة واحدة
  #24  
قديم 12-18-2014, 11:28 PM
عضو نشيط جدا
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 164
افتراضي



صحيفة 26سبتمبر
د. احمد عبدون
الملخص:
تقوم هذه المحاولة النقدية بالنظر الى قصيدة لطفي أمان: (بلادي حرة) نظرة كلية ترى فيها كيفية بناء علاماتها الشعرية بحيث لاتكون القصيدة مرآة إلا لنفسها. تبدأ من سواد الكفاح ومشقته، الى بياض التحرر وجماليته، في علاقة تضادية يهيمن فيها عنصر النور ويوحد علاماتها في نموذج، يكون فيه النور سلكاً (نظاما) والكلمات (لآلى وخرزات): سمراء، وسوداء، وصفراء، وحمراء، وخضراء، وألوان أخرى متدرجة، تجعل القصيدة مسبحة ملونة في فلك من النور، كل ذلك. على مستوى اللغة الشعرية -ليس سوى تحويلات جمالية على ثيمتي القوة والحق من جهة، والخصب والجمال من جهة اخرى في قصيدتي ابي تمام: (عمورية) و(الربيع).
من الكلمات الى الكلمات:
... وسوف نحاول في هذه القراءة أن نتحرر من أمثال هذه الاحكام الخارجية، متنبهين الى أننا نواجه نصاً شعرياً مكوناً من كلمات، واننا معه امام تجربة شعرية في اللغة وليس في الواقع، وحين نحاول الاستناد على شيء ننطلق منه في معاينة هذا النص، فإنه لن يجدينا نفعاً ان نعود الى الحياة او الى الواقع الا بمقدار ما يتحول هذا الواقع الى لغة، او كلمات، فليس امامنا من مهرب عن مواجهة الشعر الا الى الشعر، او الكلمات اما الشاعر فليس سوى مخرج، او منسق، او منظم لهذه الكلمات من بين كلمات كثيرة سبقته، وهو بمجرد ما ينطق الكلمة، فإنها تنتقل من كونها علامة على ذات المخاطب، الى كونها علامة على ذات الخطاب، لأن الكلمة هي ببساطة كلمة، وليست جثة كما يقول النحويون العرب، لذا فالتأمل في هذه القصيدة يوقفنا وجهاً لوجه امام شعر ابي تمام، وعلى الخصوص امام درتيه اللامعتين (عمورية)، و(الربيع). وإذا كانت العلاقة من الخفاء بحيث تحتاج الى مزيد من التأمل والمتابعة.. فإن في هذا الديوان: (اليكم يا أخوتي) إشارة صريحة الى أن شعر ابي تمام قريب.. على مرمى قصيدة او قصيدتين منه. يقول:
«السيف اصدق أنباء من الكتب»(2)
هذا كلام جرى في سالف الحقب
اليوم تصدق بازوكا مذوية
تصيب قلب الدجى الوهاج بالرعب
وعلى الرغم من ان النص المتأخر يقوم بعمليات تحويل مختلفة على النص المتقدم، من تأويل، او محاورة، أو إعادة كتابة.. فإن هذه الأبيات ترى في السيف اداة حقيقية للحرب، ولاتراه رمزاً: لقوة الحق مثلاً، فهي تضع مكانه: بازوكا وربما دبابة أو طيارة في حين ان كلمة (السيف) نفسها -في دلالتها على الحق والقوة -يمكن ان يشمل مدلولها ما نعلم من البازوكا والدبابة، وما لا نعلم من ادوات الحرب الحديثة. والحق ان قصيدة ابي تمام، وهي تواجه معرفة: (الظن والرجم بالغيب) في (كتب) المنجمين، تضع (كتابا) آخر في مواجهتها هو الكتاب (القرآن)، لكن في لحظة (فعل وعمل)، وبذلك يصعد التناص -في دلالة السيف على القوة والحق - الى مفهوم (الجهاد) الذي يحضر آية الكتاب الأول: «واعدوا لهم ما استطعتم من قوة»(3) وهذا ما تلمحه القصيدة التي نقف إزاءها الآن، فهذه الكلمة الغائبة بلفظها الحاضرة بدلالتها نجدها محوّلة في القصيدة الى كلمة (الكفاح) تبدأ بها كالآتي:
على ارضنا بعد طول الكفاح..
تجلى الصباح.. لأول مرة
وهو كفاح يستنفد التعب وبذل الجهد في محاربة العدو، كما يستغرق للوصول الى ذلك وقتاً ليس باليسير تدل عليه كلمة (طول) مع تقدم الجار والمجرور والظرف قبل الفعل.. فنرى مقدار الصعوبة، وطول المسافة التي قُطعت في الكفاح قبل تجلي صباح الثورة، لذا يغدو الصباح المنبثق الآن صباحاً جديداً، لأنه اليوم الاول من ايام النصر، من اجل ذلك يؤكد على فرادته واختلافه عن كل صباح مضى من قبل بقوله: (لأول مرة)، وفي ذلك انتقال من طرف سائل الى طرف اسيد: من احتلال الى نصر، ومن ليل الى صباح، ومن نوم الى صحو: (اجل قد صحونا لأول مرة)، (كأني اعيش لأول مرة).
من الظلمات الى النور:
يمكن ان نلاحظ ان القصيدة تبتدي من الظلام الى النور، اومن السواد الى البياض، وهو امر يجعل علاقة وجود القصيدة علاقة تضاد من النوع الذي يتولد فيه الضد من الضد: فالكفاح -وهو جهد ومشقة وسهر وقتال- فيه معنى السواد من النوع الذي يصنعه ابو تمام: (الغناء) الذي يتولد من (العناء)، و(النضرة) التي تتولد من (الشحوب)، و(الراحة) التي يكون (التعب) جسراً لها، فمن الكفاح - بهذه المعاني- يتولد صباح الانتصار. ومن سمر الجباه تشرق شمس الحرية: (وقبلت الشمس سمر الجباه)، ولاشك ان السواد هنا، او السمرة هي علامات للجهد، والتعب، والمرابطة تحت حرارة الشمس، لذا يطلع نور شمس الحرية من سمرة هذه الجباه وسوادها.
وهذا سواد الحروف يتحول الى بياض من نور يدل عليه حبر الكتابة كما يدل سواد كتب المنجمين وصحائفهم المتضاد مع بياض السيوف وصفائحها عند أبي تمام، ينكتب سواد الحروف على اللواء الخفاق في سماء البلاد في العبارة (بلادي حرة)، لكن الكتابة تتحول الى نور، فليس السواد الا في شكل الدال المادي المرئي، اما المدلول فهو ابيض يفيض على ارض الدال فيجعل من الحرية حروفاً من نور
ويرسم فوق اللواء الخفوق
حروفاً تضيء.. لأول مرة
بلادي حرة..
كما يمكن ان تتحاصل من هذه الوحدة دلالة اخرى وهي ان الكفاح لم يكن بالاداة المادية وحدها، وانما بالفكر والعلم، الذي هو نور ينبثق من هذه الاحرف النيرة، كما انبثق العلم من شهب الارماح بين الخميسين في ارض المعركة عند أبي تمام، ذلك العلم الذي خفقت له اضواء النجوم والشهب، وانطفأت معه نبوءات الرواية: (أين الرواية بل أين النجوم...)، تماماً كما سقطت قلاع المستعمر ودباباته، وتهاوت عروشه عند لطفي جعفر أمان:
فأين القلاع مدوية
تصول.. وتردي.. وتستهتر؟
وأين العروش مفخمة؟
وأين من الشعب مستعمر؟
واخيراً نقرأ في هذا السياق -سياق النور المتولد عن السواد -تولداً متضاداً:
بلادي.. ظفائرها الألقات
توزع فوق المرابع فجراً
فالظفائر السوداء - وهي دليل الزينة والاكتناز والخصب -فضلاً عن تجاورهاالصوتي مع (الظفر) -النصر- يبعث سوادها الألق والنور، تماماً كالفجر الذي مازال يتلبّس الظلمة والسواد، ثم يبدأ ينجلي عنه الصبح رويداً رويدا فهي لحظة انقشاع للسواد، وتجل للنور والبهاء -وربما تتجاوز هذه السمة ابا تمام لتتصل بمعنى أولية الليل في الآية «وآية لهم الليل نسلخ منه النهار ...»(5)
النور والخرزات:
يمكن القول إن هناك عنصراً متسيداً، تكون له الهيمنة والقوامة على كلمات القصيدة وهو الذي يحقق التوازي والتوازن الدلالي بين كلماتها، بحيث لا تكاد تسلم منه كلمة، فهو يمتد يثقبها، وينتظمها بسلكه القوي.. ذلكم هو (النور)، يمثل المحور العمودي، يسقط على خطيه خرزات الكلمات، فيجعلها تدور وتنتظم في سلكه البهي، وهي لآليء صماء ابكار، يولج فيها شعاعه النافذ كما تدل اللازمة المتكررة: (لأول مرة). فالأولى:خرزة الصباح يثقب فيها النور سواد الليل،فتشرق بالضياء ، كما يدل الفعل (تجلى). والثانية: خرزة الفضاء التي يوحد النور فيها جناحي: الزمان والمكان، فيغدو سكونه حركة وطيراناً: اجنحة في اليمين واخرى في الشمال، في حركة من التحليق في الافق، والتعبير عن حركة الزمان والمكان في كلمة الفضاء تعبير دقيق لوصف وحدتهما في كل لا ينفصم: ecaps emit:
وطار الفضاء طليقاً رحيبا
بأجنحة النور ينساب ثره
ثم خرزة الجباه السمر تشرق فيها قبلة الشمس فتحرر سوادها بالنور. ثم خرزة الزمان تثقبها الأنوار، فيتحول ظلامها الى نور، كما تدل كلمة (مهرجان) التي تشع بالاضواء في كل اتجاه. ويمكن ان نرى حركة الزمان في شكل دورة تعود فيها الى نقطة اكتمال هذه النقطة هي خرزة العيد في لحظة المهرجان، فالزمان حين يثقبه النور ينتج اللحظة المكتملة (العيد) او كما يقول:
لقد أنجب الدهر اعياده
ثم خرزة الربيع وهو لحظة في الزمان مكتملة، يتواصل فيها طرفا السماء الارض في انجاب النبات والزهور المفتوحة للنور والشمس، ولأمر ما سمي الزهر (نورا)، فلا فرق الا هذا الفتح الذي يتلقى النور، وفي ذلك نرى الصحارى تتحول بنور الربيع من السواد والصفرة الى الخضرة:
وحتى الصحاري كأن الربيع
حوارها وزينها فهي خضر
ثم خرزة الحروف التي يشرق سوادها بالنور في العبارة (بلادي حرة) وهي عبارة تتكرر وتكون عنوان القصيدة، ولعلها تكون في أعلى مكان يمكن ان توجد فيه وهو (اللواء) وهو مكان عال حسياً ومعنوياً، وهذا التعبير يتكون من كلمتين مكتملتين متوازيتين متعادلتين نحوياً كونهما مبتدأ وخبراً تمثل أولاهما محوراً عمودياً ثابتاً، وصوت الألف دليل هذا الامتداد ففي معنى الكلمة الثبات والاقامة(6)، كما انها في صيغة جمع، مضاف اليها ضمير المتكلم. اما كلمة (حرة) ففيها حركة افقية مكررة كما يدل صوت الراء، هكذا إذن يثقب نور المدلول الابيض سواد الدال الكتابي الاسود فتتولد خرزة بيضاء وهي لؤلؤة الحرية.
وفي خرزة البدر نجد لحظة الاكتمال الزماني يكون فيها النور أكمل ما يكون، فحين يزيد ويشرق يسلك سلوك الماء فيخصب، وهنا يتحول لونه الابيض الى اخضر وهو ما نجده في: (يورق بدر) إذ اننا امام اتصال بين عالمين ممتزجين عالم (الماء) وعالم (النور) يتبادلان العمل، وكما البدر المورق نرى (فيضان الفجر).
وفوق شواطئنا الراقصات
مع النور.. فاض من الخلد فجر
هكذا تدلنا الشواطئ على المياه المتحركة الصافية التي يغشاها النور فائضاً عليها كالماء: فالماء يرقص، والنور يفيض. هكذا يتراسل اويتواصل علمان من الخصب والاشراق(7).
وفي خرزة النجوم يثقب النور النور وذلك بحركة منتظمة من الوميض، كما تدل حركة الرفيق من قوله: (ترف النجوم). ثم نرى خرزة النبات في المراعي الخضراء ينبسط عليها جناح من النور، فيتواصل النور الابيض مع الزرع الاخضر بالعبير الاريج:
وضم مراعينا والحقول
جناح غمير العبير أغر
هذه في الحقيقية مجموعة من الخرزات الملونة المتساوية الحجم في خصيصتين أساسيتين اللون والحركة، او الرائحة والحركة:
جناح غمير العبير أغــــــر
حركة بياض حركة زرقة حركة رائحة حركة بياض
وهكذا تتوالى الخرزات، خرزة الفجر الاسود يثقبه نور الصباح والظفائر السوداء تثقبها خيوط النور وتنبثق منها (ظفائرها الألقات) والأغاني التي يغمر نورها الاطفال فيجتمع الصوت والنور والحركة. والنور الذي يثقب حبات الدم فيتفجر نهراً أبيض، ويبقى أخيراً (العقد) الذي يشد طرفي خيط نور هذه الخرزات ويجمعها، ويجعلها تعبر عن مدلول واحد ينتظمها في سلكه يكون بؤرتها ومركزها البنيوي، ذلكم هو (النصر) في قوله:
وقد عقدوا النصر من بعد ثورة
والحقيقة أننا أمام مجموعة من لحظات الاكتمال والتواصل والانتاج تمثلها الكلمات التآمات التاليات:
الفضاء/ البدر/ الربيع/ الزهر/ العصر/ الفجر
النور/ الماء/ البشر/ العيد/ النصر
ان النور وهو يحضر بهذه الهيمنة والكثافة نجده يجمع بين خصيصتين هما: (الحركة) و(الإنارة)، لذا نجده يتمثل في (ثيمة) تحمل هاتين السمتين: وهي: (الطائر) نجده يتوزع في النص في تراكيب عدة كالآتي:
وطار الفضاء/ بأجنحة النور/ وغنى لنا.. / ترفٌ نجوم/ اللواء الخفوق/ تحرر/ جناح غمير... / الشياه تكاد تطير/ وتشدو.../ وطيري حر/ وقلبي حر/ يطير على .../ فتهتف روحي. ذلكم هو طائر النصر والحرية والنور.
نستطيع ان نلاحظ من الخرزات الدلالية* الواناً مختلفة فهناك اللون الابيض في رفيف النجوم، وهناك الاسمر في الجباه السمر التي تقبلها الشمس، والاسود الذي يتحول الى البياض في الظفائر التي* توزع النور، والأزرق في الماء الغمير، والاخضر في المراعي* والربيع، والاسود او الاصفر الذي يتحول الى اخضر في الصحاري الجرداء التي تغدو خضراء بالنبات، والاحمر في الدم الذي يتفجر نهراً ابيض، وهناك الوان اخرى في الزهور والزنابق التي تنضح بالعطر، كالابيض المخضر في البدر المورق، والاسود المبيض في الفجر الفائض بالنور.
وإذا كانت هذه الخرزات اقرب الى الاحجار الكريمة من اللؤلؤ والمرجان والزمرد... بسبب عنصر النور الذي يهيمن عليها فإننا نراها تحويلات جمالية على الوان ابي تمام في الربيع، التي تظهر في النهار المشمس الذي يشوبه زهر الربا فيبدو مقمراً، وفي الازاهير المحمرة المصفرة التي تشبه البرود اليمانية، وفي النبات الاصفر، والساطع الاحمر، وفي الاخضر من النبات الذي يعود اصفر. فلديه اربعة الوان اساسية هي الابيض، والاحمر،* والاصفر، والاخضر، تنتج الواناً اخرى فرعية: اربعة ايضاً هي: الاصفر المحمر، والابيض المخضر، والابيض المصفر، والابيض المحمر. وإذا كنا هنا مع الدر والخرزات، فإننا لن نعدم الدر عند أبي تمام، فهو يشبه النبات الاصفر (بالدر) الذي يشقق ثم يزعفر(8) هكذا تجتمع هذه الخرزات الملونة المعطرة حبات موصولة جميعها بسلك من النور، يوحدها، ويجعلها* تدور في فلك واحد هو فلك الانتصار والحرية.
ما يدعو للتأمل في إيقاع القصيدة هو التناثر الذي يؤدي الى التواصل، او التفاصل الذي يؤدي الى التراص، تماماً كخرزات المسبحة المنتظمة في سلك، ومن هنا كان اختيار تفعيلة واحدةتتكرر كماتتكرر الخرزة في السلك وتتقارب الواحدة منهاخلف الاخرى وربما تصادمت متوافقة مع خرزات الدلالة محدثة صوتاً منغماً:
جناحٌ غميرُ العبير أغر
من رفة الجناح، إلي دغدغة الماء، الى نضح العبير، حتى امتداد النور، ويساعد على تصور ذلك تأمل مواقع أصوات الحلق (ح، غ، ع، غ) مع ترديد صوت الغين والراء.
والمتأمل قوافي القصيدة يرى ان الصوت المهيمن عليها هو صوت (الراء) وهو صوت فيه حركة وتكرير بذاته(9)، والتشديد عليه والالتفات نحوه بهذه الكثرة يزيد من فاعلية هذا التكرر وهذه الحركة ولأن، النور هو العنصر المهيمن، فإن الراء يساعد على رؤية حركة النور في القصيدة ويمده الى مدى ابعد، فقد جاء في حال من الحركة المضارعة مضموماً:
يهدرُ/ يقهرُ/ تستهترُ/ مستعمرُ/ اسخروا
كما جاء في حال الضم المشدد وغير المشدد:
بدى/ مجرُ/ أغرُ/ تطيرُ/ تقرُّ/ خضرُ/حرُّ
كماكاء مفتوحاً في حال من الإطلاق:
نهراً/ شعراً/ عمراً/ فجراً/ عطراً/ بشراً/ حراً
وجاء اخيراً مفتوحاً مطلقاً متوافقاًمع النفس كما تتدحرج خرزة أو تنهيدة من الفرح والنشوة:
مرَّه / ثوره/ إثره/ عطره/ حره /زهره/ ثره/ المستقره.
والحقيقة ان صوت (الراء) الذي يعبر عن حركة النور وانتشاره... لا نجده في القوافي وحدها بل نجده صوتاً حاضراً في كثير من الكلمات غير القوافي: مثل:
طار/ أرضنا/ سمر./النصر/ مهرجان/ ربيع/ الحر/ يرسم/ حروفا/تحرر/ ترف/ يورق/ النور/ مراعينا/غمير/ العبير/ بحرية/ الصحارى/ الصخر/ ظفائرها/ المرابع/ يفتر/ الدهر/ بثورتنا/ روحي/ردفان/ النصر/ تردي/ العروش/ ينشرها.
لماذا النور؟
إن فعل الكفاح انتج التحرر، فحوّل (رؤية) البلاد من الظلام الى النور، من الجهل، الى الوعي، من العبودية الى الحرية، من السواد الى البياض. وانا أؤكد هنا على الرؤية، لأن الشمس التي تشرق الآن ليست شمساً حسية، إنها شمس في القلب او في العقل لاترى بعين البصر، انما بعين البصيرة، أنها لم تكن موجودة من قبل: فهي في قوله:
تجلى الصباح لأول مرة فالصباح لايتجلى الآن إلا من شمس جديدة، وإن كانت غير موجودة على مستوى الكلمات، فهي ساطعة على مستوى ارض الخطاب، لاتماثلها إلا شمس ابي تمام الموجودة في قوله:
تصرَّح الدهر تصريح الغمام لها
فالدهر الآن تكشًّف عن شمس لا ترى في ارض الدال ولكنها حاضرة بقوة تجعل الدجى يرغب عن لونه الاسود، فيخلعه ويرتمي في شمس التحرر، في زمن من الوعي والعلم شمسه لاتغيب.(01).
> الهوامش:
(1) الاعمال الشعرية الكاملة، ديوان (اليكم يا اخوتي): 793-004.
(2) المصدر السابق: 904.
(3) الانفال: 06.
(4) قوله: رب خفض تحت السرى و غناء..من عناء ونضرة من شحوب
و: بصرت بالراحة الكبرى فلم ترها** تنال إلا على جسر من التعب
(5)* بين: 73.
(6) ينظر: المصباح المنير: مادة بلد.
(7) مصطلح تراسل الحواس في الاستعارة ربما يدل على الشخص اكثر مما يدل على الصياغة* فالرؤية هي تداخل عالمين، او تواصلهما في عالم واحد.
(8) تنظر الابيات في شرح الدسولي لديوان ابي تمام في الرائية: (رقت حواشي الدهر...): 1/635.
(9) الصفة المميزة للراء في ذكر طرق اللسان للحنك عند النطق بها طرقاً لينا يسيرا مرتين او ثلاثاً لتتكون الراء العربية -ينظر: الاصوات اللغوية: 66.
(01) إشارة الى البيتين:
تصرح للدهر تصريح الغمام لها
عن يوم هيجاء مليا طاهر جنب
حتى كأن جـلابيب الدجــى رغبت
عن لونها وكـأن الشمـس لم تغب


رد مع اقتباس