مقالات -
مقالات عامة
|
نشرها صبرنيوز - SBR NEWS
|
الأحد, 04 يناير 2015 18:28 |
الجواب: "لا. لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له". لقد أردنا أن يكون عنوان مقالنا هذا سؤالاً استنكارياً أبدع الإجابة عنه الخليفة العادل عمر بن الخطاب حين قال: "....فإنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له..."، حيث كان ذلك في سياق رسالته الشهيرة عن القضاء العادل التي بعث بها إلى موسى الأشعري حينما ولاه أمر القضاء، قائلاً له: "سلام عليك. أمّا بعد: فإن القضاء فريضة محكمة وسنة متبعة، فافهم إذا أدلى إليك، فإنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له..."
وارتباطاً بالسؤال الاستنكاري الذي اخترناه لمقالنا عنواناً، وارتباطاً أيضاً بالإجابة التي جاءت من الخليفة العادل عمر بن الخطاب على نحو حازم وحاسم حيث قال: "إنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له"، فقد بات حقاً صافياً خالصاً لنا أن نجعل مقالنا هذا تحت عنوان نقدي استنكاري يستنهض همّة النابهين من ولاة الأمر، والحريصين على أمور البلاد والعباد، وسدنة الحق والعدل، والغيارى على القانون وحماة أحكامه، فيستحثهم على أن يقتربوا -ولو قليلاً- ليس إلى الخليفة العادل عمر بن الخطاب في عمله وعدله، بل إليه- على الأقل- في حازم وحاسم قوله: "إنه لا ينفع تكلّم بحق لا نفاذ له"!!! إذاً، فما النفع من حكم أو قرار أو أمر مشروع لا نفاذ له؟! وما قيمة من أصدر حكماً يدار الظهر له، فلا يكون حكمه إلا حبراً على ورق ليصبح الحكم لا يساوي الحبر الذي كتب به ولا يساوي الورق الذي كتب عليه، ما يعني أن الحكم في حد ذاته، وبحبره وبورقه، وبالجلسة المهيبة– ذات القامات السامقات– التي انعقدت في سبيله، وبالهيبة التي تعلن فتحها ورفعها فيقوم القاعدون إجلالاً وإكباراً وتعظيماً لحكمٍ أو قرار أو أمر سينشأ عنها، ليس إلا خسارة في خسارة!!! ما الجدوى، إذَنْ، من قوانين توضع وتسن وتشرع، فلا يعمل بها واضعوها ومشرعوها ومصدروها والحاكمون بموجبها والعاملون بمقتضاها؟ ما أهمية قانون اسمه "قانون العقوبات" إن لم يعمل أصحابه وأربابه والمشتغلون فيه بمقتضاه؟! ما أهمية باب كامل في قانون العقوبات رقم 74/ 1936 المعمول به حالياً في بلادنا تحت عنوان: "الامتناع عن تنفيذ الأوامر المشروعة"، فيما الامتناع عن تنفيذ الأوامر المشروعة قد صار في أيامنا هذه أمراً عادياً لا يشعر الممتنع عن تنفيذه بأي خشية جراء امتناعه، على الرغم من أن قانون العقوبات يوجب في المادتين 142 و 143 منه إيقاع عقوبة يستحقها الممتنع عن تنفيذ أمر مشروع، الأمر الذي يعطي هيبة واحتراماً للقانون وحمايته. فإذا كان الخليفة العادل – في سياق حرصه على بسط قضاء عادل – قد قال لأبي موسى الأشعري الذي ولاه أمر القضاء: "... فافهم إذا أدلي إليك... فإنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له"، وإذا كانت المادتان 142 و143 الخاصتان بعقوبة الامتناع عن تنفيذ أمر مشروع في قانون العقوبات الفلسطيني رقم 74/1936 المعمول به حالياً تنصان على إيقاع عقوبة السجن لمدة عامين مع العزل من الوظيفة العمومية إذا كان الممتنع عن تنفيذ الأمر المشروع هو شخصية عامة، وإذا كان الممتنع عن تنفيذ أمر مشروع قضت به محكمة العدل العليا في الطلب 66/2014 منذ نحو ستة أشهر، وتحديداً في 2/6/2014، هو رئيس جامعة، وإذا كان رئيس الجامعة هو أول من يتوجب عليه أن يحترم القانون ويلتزم به، فلا يخالفه، وإذا كان ولي الأمر هو من يتوجب عليه أن يكون الأكثر غيرةً على القانون، والأحرص على إنفاذ أحكامه، لا سيّما وإنه المالك لأدوات إنفاذه وفرضه بقوّة القانون وإيقاع العقوبة على من يدير الظهر له وينتهك أحكامه، وإذا كانت محكمة العدل العليا التي توصف في القانون بأنها "محكمة من لا محكمة لها"، وأنها "المحكمة التي لا يردّ قرارها ولا يُطعن فيه ولا يستأنف عليه"، قد ردّ قرارها، وقد طُعن فيه وقد استؤنف عليه، مع بالغ الأسف وأشده، وإذا كان قرار محكمة العدل العليا هو، في الأصل، قرار واجب النفاذ، بل وإنّه مشمول بالنفاذ المعجّل، وإذا كان رئس جامعة الأزهر يستمر في إدارة ظهره- لمدة اقتربت من الستة أشهر- لقرار أصدرته محكمة العدل العليا، وهو من القرارات واجبة النفاذ ومشمولة بالنفاذ المعجّل، فضلاً عن أنها قرارات لا تردّ ولا يطعن فيها ولا يستأنف عليها، فأين القانون في بلادنا على نحو عام؟! وأين قانون العقوبات المعمول به على نحو خاص؟! وأين المحاكم؟! وأين القضاء؟! وأين الحق والعدل وسيادة القانون؟! وأين فينا الخليفة العادل عمر بن الخطاب، بل وأين في قضائنا رسالته الشهيرة إلى أبي موسى الأشعري في القضاء والتي قال فيها: "إنه لا ينفع تكلّمٌ بحق لا نفاذ له"؟! أما آخر الكلام، فإننا إذا نستنكر إدارة الظهر للقانون، والامتناع عن تنفيذ أحكامه وأوامره، وإذ نعيب على حماة القانون ابتعادهم عنه، وقلة اهتمامهم به، وتخاذلهم أو تهاونهم في حمايته وصيانة هيبته بإنفاذ أحكامه، لنشعل ضوءاً أحمر وندقّ ناقوس الخطر، محذرين من أن شريعة الغاب- إن لم تُلجَم على الفور أسبابها ومسبباتها- فإنها لا محالة آتية، بل إنّها داهمةً علينا، حيث لا مصرف حينها عن أن نتجرع أخطارها ومرارتها وقسوتها باستكانة اليائسين وضعفهم وانهزامهم وقلة الحيلة فيهم، الأمر الذي ينتصب السؤال حياله: هل من ولاة أمر يرون ويسمعون ويعون بأنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له، فيفعلون وينفعون؟!
كاتب وأكاديمي فلسطيني جامعة الأزهر بغزة |