الناشر
ماينشر
يعبر عن وجهة نظر الكاتب أو المصدر ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر الإدارةمنبرحر
المُتَوفِّي أم المتوفَّى والجذور - بقلم - د- محمد فتحي راشد الحريري |
مقالات - صفحة الدكتور/ محمد فتحي راشد الحريري |
نشرها صبرنيوز - SBR NEWS |
الأحد, 18 يونيو 2017 14:55 |
في الجذور نقول المتوفِّي والمتوفَّى ، وهما من الجذر الثلاثي ( و ف ى ) . وتُوُفِّيَ فلان وتَوَفَّاه الله إذا قَبَضَ نَفْسَه، وفي الصحاح: إذا قَبَضَ رُوحَه، وقال غيره: تَوَفِّي الميتِ اسْتِيفاء مُدَّتِه التي وُفِيتْ له وعَدَد أَيامِه وشُهوره وأَعْوامه في الدنيا. والوفاة هي المنيّة أو الموت . وتَوَفَّيْتُ المالَ منه واسْتوْفَيته إذا أَخذته كله. المتوفِّي اسم فاعل . والمتوَفَّى اسم مفعول . وفي المطلق إذا قيل المتوفِّي فهو الله تعالى ، وهو الذي يتوفى الأنفس ، قال سبحانه وتعالى في محكم التنزيل : ((اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ? فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى? عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى? إِلَى? أَجَلٍ مُّسَمًّى ? إِنَّ فِي ذَ?لِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)) . والمُتَوَفَّى هو الميت ، توفاه الله تعالى سورة الزمر / 42 . ويقول الشيخ اللغوي المشهور ، سعيد الأفغاني عن الميت : قل المتَوفّى ولا تقل المتوفي ، وسُئل في جنازةٍ عن المتوفِّي فقال : الله تعالى . أي الله تعالى هو الذي أماته وتوفاه . ولنا وقفة جذورية عابرة ، لا تُخَطِّئ الأفغاني ولا تدينه بحالٍ وهو أستاذنا الأثيل ، اللغوي الأصيل في العالم العربي في وقته ولا تزال مؤلفاته مصادر ومراجع بحثية لنا وللمهتمين في شؤون اللغة . لو أردنا بالمتوفي الميت الذي استوفى أجله كاملاً ، ألا يجوز من باب أنه اسم فاعل من الفعل ( استوفى// توفي) ؟ وبصيغةٍ أخرى هل يصح أن يُقال: (توفَّى الرجلُ) بالبناء للمعلوم بمعنى (مات)؟ وكما نعلم أصلُ (تُوُفّي) بالبناء للمجهول هو فيما أرى (توفَّى اللهُ الرجلَ مدَّتَه) أي استوفاها بإماتتِه، فـ(توفَّى الرجلُ مدَّتَه)؛ أي: استوفاها، يتعدّى إلى مفعولين وإلى مفعول واحد باللفظ نفسه، ثم بُني المتعدّي إلى اثنين للمجهول فصار (تُوُفّي الرجلُ مدَّتَه)، ثمّ حُذف المفعول تخفيفًا فصار (تُوُفّي الرجلُ)، وشاعَ هذا في كلام العرب. فيجوز لك إن شئتَ أن تقول: (توفَّى الرجلُ) بالبناء للمعلوم على الأصل. وبه قرأ عليّ رضي الله عنه فيما حكى عنه أبو عبد الرحمن السّلميّ: ((والذين يَتوفّون منكم وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ في أَنْفُسِهِنَّ )) سورة البقرة /240 ، وعاصمٌ أيضًا في رواية المفضّل الضبيّ عنه. ويجوز لك أن تقول: (تُوُفِّيَ الرجلُ) بالبناء للمجهول. وهو الكثير الشائع . فأقول : لك أن تقول المتوفِّي اسم فاعل للميت الذي استوفى أجله ، وأخذ مدّته كاملة بللا نقصان ، وإن قلت ( المتوفّى) فصحيح وهو الأصل بمعنى الذي توفّاه الله تعالى وأخذه إليه . هذا والله أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه والتابعين . ---------------------- حاشية : سعيد بن محمد بن أحمد الأفغاني نحوي بحاثة، ولد عام 1327 هـ-1909 م بمدينة دمشق، ووالده جاء لسورية مهاجرا من كونر وتزوج من دمشقية، نشأ ييتم الأم، وتعلم في مدارس دمشق، ثم انتسب لمدرسة الأدب العليا فيها (نواة كلية الآداب) وتخرج بها، فعين في سلك التعليم. ولد بدمشق سنة 1327هـ / 1909م لوالدٍ صالح، سكن دمشق وتزوَّج من أسرة دمشقية، وأنجبت له زوجه محمد سعيد، ثم ابنةً، وتُوفيت أمهما بعد ولادتها وعُمْرُ محمد سعيد ثلاث سنوات، فعاش يتيم الأمِّ، فرباه والده واصطحبه إلى الجامع الأموي، فلازم حلقات الشيخ حسين التونسي، والشيخ أحمد النويلاتي. وتعلَّم بمدارس دمشق في المرحلة الابتدائية والإعدادية، ثم الثانوية في مكتب عنبر ودار المعلمين، وتخرج سنة 1928م، ثم التحَقَ بمدرسة الآداب العليا في الجامعة السورية، وتخرج فيها سنة 1932م. عُيِّن معلمًا في بلدة منين سنة 1928م، ثم تنقَّل بين عدة مدارس بدمشق، حتى استقرَّ مدرِّسًا في مدرسة التجهيز الأولى بدمشق، ولما أُنشئت كلية الآداب بالجامعة السورية عُيِّن فيها أستاذًا مساعدًا وتدرَّج في وظائفها حتى أصبح عميدًا لكلية الآداب من عام 1961 إلى 1963م، ورئيسًا لقسم اللغة العربية، ومدرِّس النحو وعلومه حتى أُحيل إلى التقاعد في 31 / 12 / 1968م، ثم درَّس بالجامعة اللبنانية، فالجامعة الليبية في بنغازي، ثم في جامعة الملك سعود سنة 1984م، وبقي يدرس حتى بلغ الخامسة والسبعين فعاد إلى دمشق. وكان انتُخب عضوًا في المجمع العلمي العراقي ومجمَع اللغة العربية بالقاهرة.) أنتدب للتدريس في المعهد العالي للمعلمين فكلية الآداب لاحقا، ثم أصبح رئيسا لقسم اللغة العربية فيها ثم أصبح عميدا لها حيث يعد من مؤسسيها. انتخب عضواً في مجمع اللغة العربية في القاهرة ومجمع اللغة العربية في بغداد. بعد أحالته على التقاعد درس في جامعات لبنان وليبيا والسعودية والأردن، ثم عاد إلى دمشق فأنكب على المطالعة والكتابة حتى آخر عمره حيث توفي في 11 شوال 1417هـ / 1997م ودُفن بمقبرة المعلاة في مكة المكرمة . أهم مؤلفاته أصول النحو وأسواق العرب . |