تلخيص نقدي و اسقاط بحثي لكتاب استراتيجية العمل للمؤلف اندريه بوفر الحلقة الأولى من "5" حلقات طباعة
عام - دراسات وبحوث
نشرها صبرنيوز - SBR NEWS   
الخميس, 03 مايو 2012 22:38

تلخيص نقدي و اسقاط بحثي لكتاب استراتيجية العمل للمؤلف اندريه بوفر   الحلقة الأولى  من "5" حلقات
إعداد جعفر محمد سعد
باحث في الشؤون العسكرية

تمهيد .

 تلخيص  الكتاب سوف يبنى على محاولة معرفة واقع جديد بدأ يتشكل  في ظل متغيرات قد تؤثر على عدد من القضايا ذات الصلة  بإدارة الدولة و العمل السياسي والاستراتيجي  بجوانبهما النظرية والتطبيقية التي تتطلب  اجابات على كثير من الاسئلة المتصلة بذلك الواقع الجديد في الشرق الاوسط .مع التركيز على منهج التفكير وأساليب تحديد العمل المطلوب والأهداف المرجوة   كما اوردها المؤلف .  ومن الاسباب التي كانت وراء التلخيص  التشابه في الظواهر والمعضلات الواردة في الكتاب مع الاوضاع الراهنة في منطقتنا العربية بالرغم من صدور الكتاب عام 1965م .    
1- السياسة والإستراتيجية
2-  العمل
3-  مفهوم تجزئة فكرة العمل
4-  مفهوم تجزئة مخطط العمل
5- مفهوم اشكال العمل
6-  استنتاجات عن استراتيجية العمل

1-   السياسة والإستراتيجية     

ان الفهم السائد عند البعض حول الاستراتيجيات ونظرياتها بأنها مواضيع الفن العسكري ,ولتصحيح فهم الاستراتيجية بدء المؤلف مواضيع السياسة والإستراتيجية موضحا : -
الكثير يعتقد ان الاستراتيجية موضوع عسكري , هناك استراتيجيات ((للمعضلات)) التي يتم حلها بوسائل مقنعة او عنيفة لا علاقة لها بالوسائل العسكرية .
إن من الاخطاء اعتبار الإستراتيجية موضوع عسكري بحت وان ما فيها من الامور غير العسكرية يعود الى السياسة ..
ان توضيح كل فكرة يطرحها اندريه بوفر يدرسها بعمق كما يقول (توضيح الفكرة لدرجة تساعدنا في التغلب على الافكار المسبقة العفوية التي لا تزال سائدة في هذا المجال ).
قبل كل شيء ,لابد من ان نذكر بوضوح بان امتداد الاستراتيجية الذي يفرض وسيفرض بصورة متزايدة تطور العلاقات الدولية لا يعني في أي حال من الاحوال امتداد المجال العسكري على حساب كل ما كان يؤثر في الماضي على جزء من المجال السياسي. ويميل مفهوم ((استراتيجية الشاملة )) على العكس الى الاقلال من قيمة استقلالية العسكرية ألبحتة لإخضاعها بشكل وثيق جدا لمفهوم استراتيجي عام يخضع مباشرة للفكرة ألسياسية ويعده وينفذه رجال سياسيون.
يتلاءم امتداد السياسة الى مجمل ظاهرة القمع مع رغبة لجمع مختلف الوسائط المستخدمة العسكرية وغير العسكرية داخل اسلوب واحد للتفكير .
ان مثل هذا الاسلوب يساعد على شرح وفهم مناورات هتلر في الفترة ما بين 1936م – 1939م , وأيضا يمكن من تحليل مسائل عديدة معقدة مثل المعضلات التي طرحتها حرب الهند الصينية والجزائر من قبل وكذلك معضلات التي طرحتها الحرب الفيتنامية . ان ذلك الاسلوب يؤمن الانطلاق من هذه الرؤية الشاملة للقضايا والقدرة على تحديد دور القوات المسلحة وحدود استخداماتها . حتى لأنقع من جديد في اخطاء فاحشة تشبه الاخطاء المرتكبة في الحربين العالميتين حين انطلقت القوة العسكرية من عقر دارها دون رقابة  واندفعت إلى مدى يزيد عن المدى المتلائم مع الهدف السياسي المطلوب.
ان السياسة او السياسة العليا أي ((السياسة الشاملة)) تكمن قبل كل شيء في اختيار الاهداف المحددة في إطار العمل .
 ان تعبير ((السياسة الشاملة))   هناك من يرغب في استخدامها بدلا عن ((الاستراتيجية الشاملة)) وهو ما اطلق عليه المفكرون في بداية القرن العشرين اسم ((ادارة الحرب)) وهي مهمة ذات طابع حكومي , بالإضافة الى  ان ((ادارة الحرب )) في حاضر الزمان مستمرة وبدون انقطاع وتنفذ اجراءاتها ومهامها طوال فترة ما نسميه ((زمن السلم )) .
ان رفض اعطائها صبغة ((استراتيجية )) يؤدي الى تجاهل أهمية الوسائط المستخدمة من ((الاستراتيجية السياسية ))
لمعالجة جميع المعضلات المشابهة او الاقلال من هذه الاهمية.
كان القصد اذابة داخل ((ادارة الحرب ))و((السلم)) اكبر قسط من التوقعات والتقريب التي كانت سائدة حتى النصف الثاني من القرن العشرين في الادارة التقليدية (( ويقصد المؤلف في امريكا وارو باء وما كان يطلق عليه سابقا دول اوربا الشرقية)) ان القصد الخروج من الالتباس الذي كان سائدا وخلفه القرن التاسع عشر عندما ادعوا قدرتهم على فصل المجالين ((السياسي والعسكري )) بصورة مصطنعة , وهو فصل يفقد كل يوم جزء من اجزائه ذلك يفرض ادراك واعتراف الجميع بلا شكوك او تردد بأن ادارة السياسة عبارة عن عمل في مجال الاستراتيجية الشاملة.
هناك من قد يقع في خطاء سوا الفهم بسبب الاعتقاد بان ادخال الاساليب الاستراتيجية بصورة مكشوفة الى المجال السياسي التقليدي قد يؤدي ذلك إلى جعل العلاقات الدولية شكلاً قضائياً ومظهراً عنيفاً وفيه بعض ملامح القمع وإعطاء الخلافات الصغيرة الهادئة شكل صراعات حادة وتناحريه  .
(( للمؤلف رؤيته في تلك المخاوف وقد اورد الاجابات وسوف نوردها عقب هذه الملاحظة ,ان الحلول والإجابات الي بنى عليها نظريته كانت من وحي واقع يختلف تماماً عن واقع
وظروف الادارة في الدول النامية او كما تعرف باسم بلدان العالم الثالث التي القائمين على ادارة شؤونها و العلاقات الدولية
تصرفاتهم وأفعالهم غير ملتزمة لقوانين حتى وان وجدت لذلك
يجب اولا تحقيق دولة القانون ومن ثم تطوير اساليب عمل السياسة الى الاستراتيجية الشاملة )).
هناك ثلاثة انواع من الاجابات للرد على تلك المخاوف :
1- الفكر الماركسي في القرن العشرين كان لا يفصل بين مجال السياسة ومجال الاستراتيجية الشاملة وقد حقق السوفيت في تلك الفترة تركيبة متكاملة بين المجالين قد كانوا لا يميزون بين المستوى الاعلى ((للسياسة العليا )) التي تختار الاهداف المرجؤة والمستوى المتعلق بالإستراتيجية الشاملة التي تختار
الوسائل الملائمة لبلوغ هذه الاهداف .
2-  ان وسائل الاستراتيجية الشاملة لا تؤدي بالضرورة الى امتداد الاساليب الصالحة للتطبيق في الصراعات حتى تشمل الخلافات البسيطة . ان الدراسة المنهجية للأساليب والوسائط المسماة ((سياسة )) يمكنها في كثير من الحالات ان تتوصل الى حلول افضل من اللجؤ الى القوة العسكرية ,وعادة تظهر تلك القوة في حالة غياب الافكار السياسية الملائمة . هذا ما اكدته التجربة الفيتنامية التي مرت بكثير من التجارب السابقة واثبت ان لا شيء اخطر من تحليل سياسي ناقص نحاول تغطيته وسد ثغراته ((بقوة السلاح)). 
3-   هناك فكرة تقول ان الاستراتيجية تتعلق بحل المعضلات العالمية التي تتضمن هدفا منفصلا وواضحا تمام الوضوح (غالبا الحفاظ على حياة الامة ). ذلك يجعل كافة الاهداف الاخرى ثانوية بالنسبة الى ذلك الهدف. وإذا كانت هناك عدة اهداف ذات أفضليات متقاربة ومتبدلة فأننا ندخل في مجال السياسة .

من جهة هناك افكار منحرفة خاطئة دفعتنا الى الاعتقاد بوجود حالات يسيطر فيها احد الاهداف على جميع الاهداف الاخرى . حيث لا يمكن اعتبار ربح الحرب ((هدفا سياسيا))
ان السلم الذي يعقب الحرب هو هدف السياسة الحقيقي
هناك رأي اخر اكثر دقة مفاده ان الاستراتيجية المتعلقة بالشكل القمعي المجرد في العلاقات الدولية لا تتدخل إلا  بشكل متقطع عندما تقرر اللجؤ الى عمل عنيف  .

ان فكرة الاستراتيجية الشاملة واختيار الوسائط الرامية الى تحقيق الاهداف ألسياسية عبارة عن فرضية عمل لابد من دفعها الى نتائجها القصوى بغية اكتشاف مدى امكانية استخدام اساليب التحليل الاستراتيجي عند دراسة المعضلات المطروحة .


       الفصل الثاني  :-    العمل
ان الاستراتيجية المعاصرة ملزمة بإيجاد مفردات تلائم مع متطلبات الحاضر وفي هذا الاتجاه قدمت الاستراتيجية كلمة جديدة وبالغة الاهمية هي (الردع) على الرغم من ان فكرة الردع تحمل قيمة سلبية (منع العدو من القيام بعمل ما ), والفكرة نفسها تتطلب ايجاد نقيضا لها في فكرة اخرى تحمل قيمة ايجابية تتمثل في تحقيق هدف سياسي ويتضح ذلك في المفردات العادية المستخدمة للتعبير عن تلك الفكرة المتضمنة
عدد كبير من الكلمات لتحديد نسبة او درجة الجهد المبذول مثل ( حرب , ازمة , تهديد , تدخل , مقاومة , ضغط ,
دفع , الخ ) بالرغم من ذلك الكم من الكلمات إلا ان تلك الكلمات تقسم وتجزئ الفكرة الى اجزاء تكاد تخفي كامل في الوقت الذي يتم استخدام الاساليب والأفكار والوسائل بصورة
مشتركة وايصاً متوازية في الحالات التي تتوخى السياسة البحث عن حلول او فرض حل او واقع جديد على دولة او دول اخرى .
((( هنا اود التوقف لتسجيل ملاحظة بشان  استخدام المؤلف بعض قوانين الفلسفة في تعريف صفات العمل التي سبق تلخيصها ة وأيضا التي سوف اورد تلخيصها تباعا لنفس التعريف والتي لم يبحث او حتى يعرض  المؤلف القيمة البحثية والنظرية  والأهمية التطبيقية الميكانزمية  لقوانين الفلسفة في استراتيجية العمل .))) .
كلمة العمل تعبير مقابل او مناظر لكلمة (الردع ) , ان اردنا منع شيئاً ما الحدوث استخدمنا (الردع) ,والعكس إن شئنا تحقيق فعل ما علينا او لابد من حتمية استخدام( العمل) ,
تستخدم نفس الوسائل في معظم الحالات عند الردع او اذا تعلق الامر بالعمل ويمكن ان يكون ذلك الاستخدام بعد تغيير او تبديل اشكال ومظاهرا لوسائل وعلى سبيت المثال :

المبارزة نوع من انواع العمل فيها الردع بالترس الذي به تصد الضربات فقط في حين يكون العمل في نفس المبارزة
(السيف ) القادر على الضرب والصد معاً .
 (((( ان اكتفا المؤلف اثنا تعريف العمل بالوسائل دون بحث النشاط النظري  الصادر عن العقل الذي 
يعرف بالنشاط الذهني او العضلي او النشاط الناتج عن قدرات ميكانيكيزمية ونقصد النشاط العام للمجتمعات وميكانيكية الصناعة ومنتجاتها المستخدمة في استراتيجية العمل ذلك يجعلنا نضع بعض علامات الاستفهام حول اسباب تجاهل المؤلف لتلك العناصر الرئيسية في العمل ))) .

           صفات العمل
العمل العنيف القاس نجده يعبر عن نفسه وبكثافة اثنا الحرب ,وبالرغم من ذلك لايعتبر ظاهرة عسكرية بحته.
الجرب كانت وستضل ظاهرة شاملة تعمل وتنصهر بداخلها السياسة الداخلية والخارجية والاقتصاد والعمليات العسكرية,
وجميع تلك المكونات تشترك بشكل متداخل مكملين بعض على نحو من التعاون المتطابق .
((( ان تلك النظرية التي اسهم المؤلف مع عدد من المفكرين في اثبات علميتها تؤكد صحتها تجارب حروب عديدة من القرن السادس عشر حتى القرن الحادي والعشرين ,ايضا كان للمؤلف من الانجازات التي اصبحت فوانيين في العلم العسكري (الفن العسكري ) التي تلزم المؤسسات المدنية والعسكرية للدولة بالتحضير وخوض الحرب , ذلك يؤكده
قانون الفن العسكري الذي حدد بوضوح مسؤولية الدولة
خوض الحرب وليس القوات المسلحة ))).
ان شمولية الحرب قد كانت واضحة من خلال الدراسة المنهجية لتاريخ الحروب الدينية حتى حروب الإقطاعيين في القرنيين السابع عشر والثامن عشر , ومن عهد نابليون وحتى الحرب الاهلية الامريكية وفي الحربيين العالميتين في القرن العشرين وأيضا اثنا جميع المعارك والحملات العسكرية التي رافقت وتزامنت مع حركة التحرر العالمية من الاستعمار .
ان تلك الحروب دخلت التاريخ كحقائق ثابتة وأيضا العالم لم ينس مجرياتها على الرغم من خطيئة القرن التاسع عشر التي روج لها انصار كلاوزفيتز , التي تبنتها في تلك الحقبة من التاريخ كل من الاركان الروسية وأيضا بعض مكونات الديمقراطية البرجوازية الغربية التي فصلت السلطة المدنية عن السلطة العسكرية .
اذا كانت الحرب شاملة وتمتد حتى تصيب كل مجالات العمل , هل يعني ذلك ان العمل العسكري يلعب فيها الدور المركزي الحاسم؟
ان التعرف ثانية ضرورة هامة على دور القوات المسلحة التي كانت في كثير من الحالات عامل رئيس في الحرب وهناك عدد من الامثلة سجلها التاريخ تتحدث عن النصر العسكري الذي بانجازه وضع نهاية الصراع , وليس النصر كون النصر يأتي نتيجة اشتراك المؤسسات المدنية مثل عمل دبلوماسي نشيط ادى الى ايجاد تحالفات ساعدت على تعديل في ميزان القوى . 
ان العامل العسكري يؤكد الافضلية فقط عندما تسمح التقنية العسكرية بالوصول الى الحسم السريع والمفاجئ
ذلك يعني ان العمل الشامل بالوسائل الحربية لا يخضع دائما العسكري , وإنما لعوامل عمل اخرى تبرز في ظاهرة شمولية العمل المرتبط ارتباطا وثيقا بالإطار
الاجتماعي الذي ينفذ ويشارك فيه .
ان الوقوف على حقيقة صفات العمل يسمح بمعرفة الحقائق اذا نظرنا الى المجتمعات القبلية والقرى وحتى المدن القديمة التي لا تملك أشكال العمل التي تعرفها المجتمعات الاخرى الاكثر عصرية وتقدم وازدهار , كما هو الحال للدولة القومية التي تعتمد على الزراعة بحكم موقعها وتأثيرات جغرافية تختلف عن الدولة القومية الواقعة على شواطئ المحيطات والبحار , حيث نجد الاخيرة تتمتع بمزايا تجارية وسرعة حركة المال مما يكسبها اهمية حيوية خاصة تفوق الدولة الزراعية,
اما الدولة الصناعية تعطي اهتمامات خاصة بالموارد الاولية والإنتاج والأسواق , تقدم صفات ادق للعوامل الحساسة والمؤثرة تنعكس على العمل وتعطيه صفات خاصة بسبب طبيعة الدولة التي توفر ظروف العناية والإعداد المسبق . 
ان أشكال العمل تخضع لتأثيرات التقنية اكثر من تأثيرات اخرى و ذلك بسبب تطور الحالة الاجتماعية التي يعكسها التعليم من مردود الاقتصاد والمال.
إن التقنية التي تؤثر على الصراعات المسلحة لها تأثيراتها على المواجهات السياسية وتكسبها أشكال وتداخلات لفرض شروط وتنازلات واعترافات الخ.
ان تلك التقنية المتطورة توضح مدى الاختلاف الذي تتسم به حروب الدولة الصناعية عن حروب الدول الزراعية او تلك التجارية الواقعة على الشواطئ.
للعمل هدف واحد على الدوام وهو الكسب فقط , الكسب المادي او المعنوي وفي كل المجالات (التجارية ) (الاجتماعية,مسابقات رياضية ونشاطات ثقافية وفنية)
(صراعات سياسية , مواجهات عسكرية ,). وكذا في كل بقية المجالات . لكن هناك شى اخر في استراتيجية العمل يوازي
هدف العمل من حيث القيمة وهو حساب الضرر او الخسارة وأيضا يمكن ان يكون الضرر مادي او معنوي , ان تلك المعادلة تسمح اطلاق تعريف مبسط  للعمل بالاستناد الى الحوار المستمر بين الربح والخسارة الذي يقف بينهما التقييم  في احينا كثيرة اخرى المقارنة بين الامل في نجاح او الخوف من فشل العمل بسبب الخطر المتوقع باعتبار التوقعات قاعدة من قواعد العمل الذي يؤدي الى ايجاد دوافع كبيرة للعمل.
ان العوامل الناجمة عن الرغبات او الاهواء , باعتبارها قاعدة عمل عالية الاهمية ينبغي دراستها وتحديد العوامل المجهولة وفحصها بشكل موضوعي لمعرفة طبيعتها وارتباطها ببقية العوامل الاخرى كونها اصبحت قاعدة سياسية ضرورية لكل استراتيجي .
في عملية العمل او مجرى العمل تقف قوى كبرى تفرض على الاستراتيجي الالتزام بهاء  وفي نفس الوقت استخدامها بهدف معرفة  مواقع القوة في لتلك القوى وأيضا لتحديد اماكن استخدامها .
من اهم القوى التي تقف في مجرى العمل تعتبر (القومية) وهي ظاهرة العصور الحديثة الناجمة عن التحول النوعي للمجتمعات وامتداد وتقارب المشاعر التي حلت محل مشاعر القبيلة  والمدينة الاقطاعية التي كانت مبعثرة , وأصبحت
القومية من اهم الدوافع في اكتساب التقاليد وبعد ان جاء الدين ليضاعف من مقومات الحدة والقوة والعنف ومع ظهور التطور في التقنية وفي المدرسة وفي الصحافة وفي الخدمة العسكرية وفي القوانين الاقتصادية والاجتماعية كل تلك اعطت الامم شكلا جديدا وأيضا خاضا .
البحث عن محرك ثاني للعمل ذلك المحرك الذي كان في الماضي سبباً في حروب الماضي , اصبح في ظروف الحاضر محرك للبحث عن حياة افضل وبذلك عمل ذلك المحرك على تعديل (المغامرة العسكرية) ليحل محلها السلم
الذي ينتج ويوفر ظروف معيشية أفضل , وللحصول على تلك الظروف ,برز ذلك المحرك في شكل قوانين سياسية
ديناميكية تتحكم بنظريات العدالة التي توفر الشروط الاقتصادية والاجتماعية المؤدية الى حياة افضل .

والتشخيص السياسي :

التشخيص السياسي أمر ضروري لابد منه , في مجال العمل والنشاط الذي تقوم به الدول على خلفية وكنتيجة للتطور المؤدي إلى تحقيق هدف محدد بدقه يتطلب تحديد تطور الاحداث المعاصرة لمعرفة القوى المتحركة لاستخدامها او اعدادها للصراع ضدها , ان ذلك التقييم يشكل تشخيصاً سياسياً عاماً على اساسه توضع الاستنتاجات المستخلصة
لقواعد الاستراتيجية التي يمكن الاعتماد عليها والانطلاق منها لإعداد العمل ايضاً ذلك التشخيص يسمح للإستراتيجية
تقدير تأثير العمل على الاحداث وبالتالي تحديد امكانيات النجاح.
ان التشخيص السياسي موضوع او مادة في علم السياسة إلا انه مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالإستراتيجية لذلك قد تعترض الانسان الاستراتيجي صعوبات التشخيص السياسي.
يتضمن التشخيص السياسي تفسيرات للإحداث المعاصرة التي تستخدم حيثيات تبرر لقرارات والأهداف السياسية.
(اذا كان الشك في قضايا الفلسفة مقبولا عند المفكرين المنعزلين عن كل انواع العمل , الامر يختلف تماما مع السياسيين المنفذين للعمل الذين تقع عليهم مسؤوليات بناء
عملهم على افكار واضحة لا لبس فيها.
يستطيع رجل السياسة في بعض الحالات الاكتفاء بإشارات
غير واضحة او ايهام غريزي غامض على ضوءها يستطيع تقدير ردود الفعل , بعكس الاستراتيجي الذي يقوم بحساب ضرباته بدقة عليه امتلاك تشخيصا كافيا وكاملا قدر الامكان
لذلك الاستراتيجي يعتمد على النظريات حتى وان كانت تتمتع
ببعض الصفات التخمينية.

         القضايا السياسية :
تشخيص القضايا السياسية  بالنسبة للاستراتيجي  يمكن ايجازها في طرح الاسئلة التي يريد ايجا بات عليها من التشخيص السياسي ويمكن ان تكون على النحو التالي :
- لماذا سقطت سلطات  انظمة او انهارت دول او دول في حقبة زمنية محددة وكيف تم ذلك ؟
- كيف يتصف الوضع الراهن بعد التغيير او السقوط او الانهيار ؟
- ما هو المستقبل الذي نطمح الوصول اليه ؟

خلاصة تلك الاسئلة يجب ان تؤدي الى رسم صورة واضحة تشرح الماضي بتفاصيله , والحاضر بتعقيداته ,
وتحديد واختيار المستقبل الذي نحاول دفع الامور للوصول اليه .
ملاحظة ((( نموذج طريقة وتسلسل ومضمون وأفكار وأحداث التشخيص السياسي في صفحات الكتاب ص41-ص 53.)))

المستقبل في عملية التشخيص يتم التعامل معه باعتباره سؤال سياسي بحت وفيه يجري البحث عن الاهداف وهي غالبا تكون بسيطة مثل :
(السلم , التقدم , الازدهار , ) وفي كثير من الحالات يوجه التشخيص لتحديد اهداف تتصل بالسيطرة على السلطة تحت مسميات كثيرة (انقلاب , ثورة  ,تغيير , ) وبالنتاج الملموسة بعدها يتأكد خلو تلك الاهداف من عناصر الاستراتيجية  , بسبب ابتعادها عن فكر فلسفي او تشخيص استراتيجي . ان التشخيص الصحيح باستمرار يقود إلى استنتاجات تتمحور بداخلها فكرة تتضمن تعقيدات الظواهر التي تتطلب تدخل العمل باليات وأهداف محددة .
ذلك يلزم الاستراتيجي امتلاك معلومات كاملة , وفهما موضوعياً عميقاً للظواهر , ايضا قدرته على تحديد اسلوب وطريقة اكيدة للتنفيذ . ان مهام الاستراتيجي
واسعة وداخل كل عنصر في الاستراتيجية تعقيدات وعليه ان يجد الحلول لكل المعضلات .
ان حل المعضلات ليس بالسهولة بل يتطلب من الاستراتيجي الغوص في كثير من المفاهيم الفلسفية الخاصة بالعمل والحرية , كون حرية العمل تفرض على الانسان تأمينها بالذكاء والجهد .(الانسان الذي لا يبذل الجهد الكافي لمعرفة الصراط الذي يسير عليه سيظل العوبة بيد القوى الكبيرة الي يلجا اليها للبحث الاعمى عن مكاسب انية ) . ذلك يؤكد ان الانسان القوي تتضاعف مسؤولياته في تحديد مصيره , من خلال التدخل والتأثير
على الدوافع البشرية للوصول الى المجال النفسي بالاستفادة من الوسائل المادية  المتطورة من وسائل اعلام
معاصرة (الانترنت , فضائيات , صحافة , صحافة الكترونية , اذاعة ,) كل تلك تؤثر وتجعل المجال النفسي حقل عمل رئيسي وحاسم .
ان التقدم يحمل مفهوم التغيير ولكن ليس جميع التغييرات تدخل في مجال التقدم , كما لا يمكن ان يكون تقدم او تغيير اذا لم يكن هناك هدف محدد وواضح بموجبه التقدم او التغيير يحدث حياة كريمة افضل من السابق . قد شهد التاريخ بعض قوى وتيارات التحرر الوطني التي لم تتعامل مع وظائف التشخيص السياسي بصورة تمكنها من معرفة الظواهر والمعضلات مما جعلها تضع اهداف غير قابلة التحقيق , بسبب اندفاع قبل نضوج القوى , بشكل اساء الى مصلحة الشعوب وجعلها تتعرض لصعوبات كثيرة حاء بعضها على اثر الاسراع في محاولات الحصاد قبل نضوج المحصول . إن افكارالعمل التي تبنى فقط على اساس استغلال التغيير وحده يكفي ان تكون وحدها اخطاء فلسفية كبيرة توازي غلطة الاستراتيجية العسكرية التي ترفض اللجوء الى الدفاع وتدعي تخصص الاستراتيجية في الهجوم فقط.
هكذا نرى العمل كظاهرة معقدة تتداخل فيها السياسة العليا والإستراتيجية الشاملة .

             انتهى الجزء الاول من التلخيص
إعداد جعفر محمد سعد
باحث في الشؤون العسكرية

لندن ابريل 2012