القتال يزيد اليمنيين انفصالاً طباعة
حروب وصراعات مسلحة - وثائق عن الحرب
نشرها صبرنيوز - SBR NEWS   
السبت, 12 أغسطس 2006 20:28
إذا كان شعب اليمن الجنوبي يرغب في الانفصال عن وحدة اليمن التي شارك في إقرارها بنفسه عام 1990 فلا بد من احترام رغبته لأنه الأدرى بمصلحته وبطموحاته وبتثبيت شخصيته المستقلة, ولماذا لا يتم الانفصال بالحسنى والتفاهم بدلاً من القتل والتدمير وإفقار الشعب اليمني في الشمال والجنوب واستنزاف طاقتهما الإنسانية وثروتهما القومية من اجل وحدة تقوم على الدم وأشلاء القتلى؟.
فمثل هذه الوحدة , بل أي وحدة أخرى تقوم على العنف مصيرها الفشل والإنشطار آجلا أم عاجلاً , فالحرب وخاصة بين الشعوب ذات الخلفية العصبية والقبلية تزرع من الضغائن ونزعات الثأر والانتقام مالا ينسى بسهولة , ومالا يخدم الوئام والطمأنينة والاستقرار.

ولماذا تدمر العاصمة عدن ومدن وقرى يريد أهلها العيش في ظل علم خاص بهم وليس تحت أي علم آخر حتى لو كان لهم في تشكيلة وصنعه دور سابق؟ لقد وافقوا على الوحدة مع الشمال في عام 1990 ثم رأوا بعد التجربة أن الاستقلال بذاتهم أفضل لهم , فلماذا يسد الحكم في الشمال الطريق عليهم باللإقتتال بين الأخوة؟ وهو إثم ومضرة وسابقة خطيرة لا يقدم عليها إلا من نزع من قلبه مشاعر الرحمة ليس نحو أخيه وجاره وأقرب الناس إليه فحسب بل نحو نفسه ومجتمعه وأمته العربية وأمانيها القومية.

والوحدة التي تقوم بالقوة لا تجدي ولا تدوم , بل تبقى أسيرة القلق وتطورات الأحداث والظروف لكي تنقسم على نفسها وليعود كل شيء إلى أصله ومنبته وعاداته وتقاليده لتسيير شؤون إداراته ومعيشته حسب رغبته.

وعلى المسؤولين في اليمن شماله وجنوبه تذكر تاريخ الوحدات في القرن العشرين لأخذ العبرة منها وتذكيرهم ببعضها لعل الذكرى تردع المتقاتلين.

لقد سبق وشكلت باكستان وبنجلاديش وحدة بينهما , ولما أرادت بنجلاديش الاستقلال بنفسها ثم منعت عليها باكستان هذه الرغبة في الاستقلال باستعمال القوة , لم يفض استعمال القوة إلا إلى إصرار بنجلاديش على الانفصال وكان لها ما أرادت في نهاية المطاف , وهي الآن دولة مستقلة معترف بها من جميع دول العالم وتقيم علاقات ودية مع باكستان في جو ملائم لمصالحها الذاتية والمشتركة.

وكانت تشيكوسلوفاكيا تتألف حتى وقت قريب من شطرين موحدين. التشيك و سلوفاكيا , ثم رأى أهل الشطر السلوفاني أنهم يفضلون الاستقلال بذاتهم على الوحدة مهما كان لها من المزايا والمشوقات وقد فعلوا ذلك بالحسنى والكلمة الطيبة وتم تقسيم تشيكوسلوفاكيا إلى دولتين جارتين مستقلين.... وليس ثمة شك بان العلاقات بين الشعبين الآن هي أحسن مما كانت عليه في السابق فلا سيد ولا مسود ولا كبير يتقاوى على من هو أصغر منه أو قوي يتسلط على من هو أضعف منه أو غني يتعالى على من هو أقل حظاً في الثراء منه , بل مساواة في التعامل واحترام في الجوار وتعاون في المصالح المشتركة لخيرهما معاً.

وفي التاريخ العربي المعاصر كانت مصر تنادي بوحدة وادي النيل , مصر والسودان , وكم وكم ثارت من الخلافات ووقعت من الاحتكاكات بسبب ذلك , حتى رأت مصر بالمقام الأول , وهي الدولة الأقوى والأغنى , إن الخير والبركة والمستقبل هي في التنازل عن مقولة وحدة النيل بإفساح المجال لقيام دولة سودانية شقيقة تدير أمورها بنفسها وفقاً لما يرضى به شعبها ويرى فيه مستقبله كيفما كان الأمر , فإذا رضي فبقناعه , وإذا لم يرضى فبقناعه واقتناع أيضاً وله كلمته الأخيرة.

ولا ندخل هنا في تفاصيل الوحدات التي أقيمت في الشرق الأدنى بتهليل وتكبير ثم انفصلت بشكل من الأشكال التي يحتفظ التاريخ بصورها ونتائجها , فهناك الوحدة السورية-المصرية ثم الوحدة الأردنية-العرقية وبعدها وحدة مصر وسورية وليبيا , وقبل كل ذلك الوحدة الأردنية الفلسطينية التي استمرت قرابة ستة وثلاثين عاماً ثم رأى الأردن الانفكاك عنها لأسباب سياسية تتعلق بمستقبل القضية الفلسطينية وها هو الأردن يدعم قيام الدولة الفلسطينية على التراب الفلسطيني بكل ما يملك من المساندة والتأييد.

وفي العشرينات من القرن الحالي قامت أيرلندا الشمالية تطالب بالانفصال عن الإمبراطورية البريطانية التي كانت في جوزاء قوتها العسكرية والمادية ولكنها رضخت في نهاية الأمر للموافقة على قيام جمهورية أيرلندا المستقلة.

هذه بعض من جوانب أحداث التاريخ العربي وغير العربي , وهناك الكثير من أمثالها الذي يدفع الإنسان للتساؤل لماذا يصر اليمن الشمالي على وحدة لا يريدها شقيقه وجاره اليمن الجنوبي ثم يستدير الشمال للانقضاض على الجنوب الأضعف ويقاتله ولا يربا بمعارضته , ويريد أن يخضعه بقوة السلاح وحملات التدمير والإفقار والتشريد وزرع الضغائن إلى أبد الآبدين , وأمام الشمال عبرة أقدام العراق على الوحدة مع الكويت بشن حملة عسكرية على الدولة الكويتية الأقل نفراً من العراق والأقل استعداداً عسكرياُ وقدرات وخبرات عربية.

وماذا كانت النتيجة غير الخراب الأخوي والمادي وسوى تشريد شعب الكويت وتدمير الكثير من مرافقة , ومن ثم تدخل مجلس الأمن الدولي لإعادة الاستقلال إلى الكويت.

وهل ثمة ما يمنع قراراً يصدر عن مجلس الأمن الدولي من اتخاذ قرار لمعاملة اليمن الشمالي معاملته للعراق؟ وعندئذ ما أغنى الشمال عن فرض الوحدة بالقوة وما أغناه عن خوض حرب ستؤول حتماً إلى اقتتال داخلي واسع المدى تساعد على استفحاله واشتعاله الخصائص الجغرافية لبلاد اليمن شمالاً وجنوباً ونزعات الحقد والثأر والانتقام. ولا بد لصنعاء من أن تعود الشقيقة التي تتوقف عن تدمير وقهر شقيقتها عدن بالقمع والتدمير وأن تصيخ بالمقام الأول لوساطة مجلس الجامعة العربية ولوسيط الأمم المتحدة الأستاذ الأخضر الإبراهيمي الشخصية العربية الدبلوماسية ذات الخلق والخبرة لحصر النزاع والقتال بوساطة عربية ثم تسوية الأمور بين شطري اليمن بالحسنى والتفاهم.

إن الوحدة بين قطرين عربيين أو أكثر أمنية كبرى من الأماني الراسخة في المشاعر والأفئدة العربية التي تقوم حياتها وحضارتها على العقيدة الراسخة في الدين الإسلامي الحنيف. ولكن الوحدة المأمولة لا تتحقق بالشعارات حيث ثبت أن الشعارات هي أكثر العوامل خطراً في شتى الوحدات العربية التي سبق قيامها.

وهذه هي ظروف الحياة ومستويات النمو الاقتصادي والاجتماعي والثقافي في العالم العربي ماتزال بحاجة قصوا للترسيخ في الأقطار العربية لكي تنسجم حياتها العامة في ذلك التكامل الذي يحفظ لكل قطر شخصيته وبنيته الداخلية  ليكون واثقاً من نفسه حيث التعامل والتفاعل مع أي قطر آخر ومحتفظاً بتقاليده وتكويناته الداخلية , وربما نجد المثال والنموذج في بريطانيا التي تضم اسكتلندا وويلز وإنكلترا وأيرلندا الشمالية فهي تتفق على أسس محدده وتقيم الوحدة بينها وعلى احترام خصائص كل قطر من أقطارها فسكان ويلز لا يزالون يتمسكون بلغتهم الأصلية وسكان اسكتلندا لهم عاداتهم وحتى نقدهم الخاص باسمهم ولكنهم يتحدون في سبيل المصير المشترك والاحترام الوثيق المتبادل بلغة التعاون والتفاهم وتقدير كامل لرغبات وظروف كل إقليم من الأقاليم البريطانية.

وأخيراً فأن أهل اليمن الجنوبي إذا أرادوا الاستقلال بذاتهم فإن القوة لن تجبرهم على وحدة لا يريدونها وها هم يقاتلون لأنهم لا يردونها.

والفكر والتدبير والتفهم يجب أن ينطلق من الجانب الأقوى لكي يكف عن فرض إرادته بالقوة حيث الحصيلة النهائية ستكون هزيمة الهدف وخراب اليمن وتعاسة اليمنيين الذين يستحقون في شطريهم الشمالي والجنوبي تنمية قدراتهم الذاتية لنصرة شعبهم بالازدهار والعمران والتقدم , وما نحن إلا مع الحق والمنطق وعبر التاريخ والأماني العربية بأن لا تقوم وحدة إلا عن قناعه راسخة وتقدير واحترام متبادلين ومتكافئين لئلا يطغى فريق على آخر ثم تزول الوحدة وتتلاشى دوافعها إلى غير رجعة.

يؤلمنا القتال في اليمن ودواءها هو الرجوع بالحق وما كان الرجوع إلا فضيلة إنسانية وإلهية لا يمكن إنكارها أو جحودها.


الكاتب الأردني: علي الدجاني

نقلاً عن صحيفة الشرق الأوسط

1 / 7 / 1994م

آخر تحديث السبت, 12 أغسطس 2006 20:28